السعي في الحج.. خطواته وحكم تركه عند المذاهب الأربعة

مع اقتراب موسم الحج، يتساءل الكثير من المسلمين عن حكم ترك بعض مناسك الحج أو العمرة، خاصة السعي بين الصفا والمروة، فهل يمكن أن يُقبل النسك رغم عدم إتمام هذا الركن؟ دار الإفتاء المصرية كشفت الحكم الشرعي بالتفصيل، وأوضحت الآراء الفقهية المختلفة، خاصة في حال كان الترك بعذر كنسيان أو جهل، أو بغير عذر متعمد.
السعي ركن لا يُستغنى عنه في الحج والعمرة
أكدت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي، أن السعي بين الصفا والمروة يُعد ركنًا من أركان الحج والعمرة، ولا يتم النسك بدونه عند جمهور الفقهاء، مؤكدة أنه لا يُجبر تركه بدم، ما يعني أن مَن ترك السعي عمدًا أو سهوا، لا تُقبل منه الحجة أو العمرة إلا إذا عاد وأداه.
وقالت الإفتاء: "من ترك السعي أو ترك بعضه، يجب عليه الرجوع إلى مكة والإتيان به، حتى لو كان قد تركه لعذر مثل الجهل أو النسيان".
آراء المذاهب الفقهية.. اتفاق واختلاف
وأضافت دار الإفتاء، أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن السعي ركنٌ لا يتم الحج والعمرة إلا به، فلا يُقبل النسك من دونه ولا يُعوض بدم.
أما الحنفية، فذهبوا إلى أن السعي واجب وليس ركنًا، ولهذا يُفرّقون بين من تركه بعذر ومن تركه بغير عذر:
- من ترك السعي كاملًا أو معظمه لعذر، فلا شيء عليه.
- من تركه دون عذر، فعليه دم (ذبح شاة).
- ومن ترك ثلاثة أشواط أو أقل، فعليه نصف صاع من بُرٍّ (قمح) عن كل شوط تركه.
واستشهدت دار الإفتاء بقاعدة فقهية مهمة تقول: "من ابتُلي بالمختلف فيه فله تقليد من أجاز"، وهو ما يُيسر على المسلمين عند الوقوع في الخطأ غير المتعمد.
ما هو السعي؟ ولماذا سُمّي بهذا الاسم؟
شرحت دار الإفتاء أن السعي هو المشي بين جبلي الصفا والمروة سبعة أشواط، ويبدأ من الصفا وينتهي بالمروة، يُحسب الذهاب شوطًا والعودة شوطًا آخر، وله أصل قرآني في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 158].
وتعود تسميته بالسعي إلى ما فعلته السيدة هاجر، زوجة نبي الله إبراهيم، عندما كانت تبحث عن الماء لرضيعها إسماعيل، فسعت بين الجبلين حتى فُجِّرت زمزم تحت قدمي طفلها.
موضع الصفا والمروة تاريخيًا
لفتت الإفتاء، إلى أن جبلي الصفا والمروة يقعان بين بطحاء مكة والمسجد الحرام، وكان الصفا يتصل قديمًا بجبل أبي قبيس، أما المروة فكانت تتصل بجبل قعيقعان.
وتنقل دار الإفتاء، هذه المعلومة من عدة مراجع تراثية، منها كتاب "المسالك والممالك" للبكري، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي، في دلالة على العمق التاريخي والجغرافي للشعيرة.
السعي لا يُعوَّض إلا بالإتيان به
من أهم ما أكدته دار الإفتاء أن من لم يُؤدِ السعي، لا يتحلل من الإحرام بشكل كامل، فإذا غادر الحاج مكة قبل إتمام السعي، وجب عليه العودة متى أمكنه ذلك، مضيفًا أن بعض الناس قد يظنون أن ترك السعي يُعوض بدم، لكن جمهور الفقهاء يرفضون هذا التصور، ويؤكدون أن السعي لا يُجبر إلا بالإتيان به فعليًا.
حكم ترك السعي لمن نسيه أو لم يعلمه
كشفت دار الإفتاء، أن من ترك السعي عن جهل أو نسيان، وجب عليه العودة والإتيان به، لأنه ركن لا يسقط بالجهل، ويُستثنى من ذلك من يقلد مذهبًا فقهيًا يجيز تركه في حال النسيان مع تقديم الفدية.
واستشهدت بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من المسجد متوجهًا إلى الصفا قال: «نبدأ بما بدأ الله به»، وهو دليل على أن بداية السعي تكون من الصفا وليس العكس، ويحتسب الذهاب شوطًا والعودة شوطًا آخر.