عاجل

ما يجب فعله على المحرم إذا ارتكب محظورًا قبل قص الشَّعْر في العمرة

العمرة
العمرة

ورد سؤال لدار الإفتاء يقول صاحبه: أديتُ شعيرة العمرة، وبعدما رجعتُ للفندق وقبل أن أحلق شعري وضعتُ الطِّيبَ، ثم تذكرتُ بأنني لم أتَحلَّل بحلق شَعْري، فماذا يجب عليَّ فِعْله؟

وأجابت دار الإفتاء بأنه إذا وضع الـمُحرِم الطِّيب في العمرة قبل أن يَحْلِق أو يُقَصِّر عامدًا عالمًا مختارًا، فإنَّ عليه الفدية، وهي على التخيير بين ثلاثة أمور: إمَّا ذَبْح شاة أو ما يقوم مقامه من شراء الصك من الجهات المخولة ببيعه، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وأَمَّا مَن فعله ناسيًا فلا تجب الفدية، ومن ثمَّ فلا شيء على السائل في وضعه الطِّيب ناسيًا قبل الحَلْق أو التقصير في العمرة.

بيان خلاف الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير في العمرة وثمرة الخلاف

وقالت دار الإفتاء أن المقصود بالتَّحَلُّل من الإحرام في العمرة هو: الخروج من الإحرام، بحيث يحل للمُحْرِم ما كان مُحرَّمًا ومحظورًا عليه أثناء الإحرام.

وقد اختلف الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير في العمرة وحصول التَّحلُّل بأحدهما، فيرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، وهو أظهر القولين عند الشافعية، وظاهر المذهب عند الحنابلة نُسُكِيّة الحلق أو التقصير في العمرة، أي: يجب على المعتمر أن يأتي بأحدهما ليحصل التَّحَلُّل، وإِنْ تَرَكهما يجب الدَّم.

قال الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع"  عند كلامه على واجبات الحج: [الحلق أو التقصير واجبٌ عندنا إذا كان على رأسه شعر لا يتحلَّل بدونه] ـ.

وقال العَلَّامة أبو عبد الله الخَرَشي في "شرح المختصر" : [أَمَّا الحلق نفسه أو التقصير، فواجب]ـ.

وقال الإمام محيي الدين النووي في "روضة الطالبين" : [الحلق في وقته في الحج والعمرة فيه قولان... أظهرهما أنه نُسُكٌ] . وقال الـمُوفَّق ابن قدامة في "المغني" : [الحَلْقُ والتَّقْصِيرُ نُسُكٌ في الحج والعمرة، في ظاهر مذهب أحمد] .

وقد استدل الجمهور على نُسُكِيَّتِهما بعموم النصوص الواردة بالأمر بهما في الحج والعمرة، كقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: 27].

وحديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حلقَ يَوم الْحدَيبِيَةِ وطائفة من أصحابه وقصَّر بعضهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» فقالَ رجلٌ: وللمُقصِّرين؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا، ثم قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ» متفقٌ عليه.

وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وغيره، من حديث عائشة رضي الله عنها.

بينما ذهب بعض الفقهاء، كأبي ثور، وأبي يوسف، وهو قولٌ عند الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد إلى أنَّ الحلق أو التقصير ليسا نُسُكًا مِن مناسك العمرة؛ بل هما استباحة محظور كان محرَّمًا، فيحصل التَّحَلُّل بدونهما.

قال الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (8/ 208، ط. دار الفكر): [لم يقل بأنه ليس بنسكٍ أحدٌ غيرُ الشافعيِّ في أحدِ قولَيْه، ولكن حكاه القاضي عياض عن عطاء وأبي ثور وأبي يوسف أيضًا] .

وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 385-386، ط. دار الوفاء) عند تناوله أحاديث الحلق والتقصير: [ذهب الشافعي وأبو ثور وأبو يوسف وعطاء: أنه لا شيء عليه في ترك ذلك جملة، وهذا على قول الشافعي أنه ليس بنسك] اهـ.

وقال الموفق ابن قدامة في "المغني" : [عن أحمدَ: أنَّه ليس بِنُسُكٍ، وإنَّما هو إطْلَاقٌ مِن مَحْظُورٍ كان مُحَرَّمًا عليه بالإِحْرَامِ، فأُطْلِقَ فيه عندَ الحِلِّ، كاللِّبَاسِ والطِّيبِ وسائِرِ مَحْظُورَاتِ الإحْرَامِ. فعلَى هذه الرِّوَايَةِ لا شيءَ على تَارِكِه، ويَحْصُلُ الحِلُّ بِدُونِه] .

واستدلوا على عدم نُسُكيتهما بما ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبطحاء وهو مُنِيخٌ فقال: «أحججتَ؟» قلت: نعم، قال: «بما أهْلَلْتَ؟» قلت: "لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، قال: «أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ» متفق عليه.

فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المعتمر يحل بعد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، كما أفاده العلَّامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري"

وثمرة الخلاف تَظْهَر فيمن ارتكب محظورًا مِن محظورات الإحرام قَبْل الحَلْق أو التقصير في العمرة عامدًا عالمًا مختارًا، ومِن تلك المحظورات: التَّطيُّب في البَدَن أو الثوب، أي: وَضْع الطِّيب أو العطور على جَسَد المحرم أو ثيابه، فقد أخرج الشيخان -واللفظ للبخاري- عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنَّ رَجُلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ».

قال الإمام محيي الدين النووي في "شرح مسلم" : [ونبَّه صلى الله عليه وآله وسلم بالوَرْس والزَّعْفران على ما في معناهما وهو الطِّيب، فيَحْرُم على الرجل والمرأة جميعًا في الإحرام جميعُ أنواع الطِّيب] .

وعلى حُرْمة قصد الـمُحْرِم أن يستخدم الطِّيب في أثناء إحرامه نَصُّ الفقهاء:

قال الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع": [ولو لبس ثوبًا مصبوغًا بالورس أو الزعفران فعليه دم؛ لأن الورس والزعفران لهما رائحة طيبة، فقد استعمل الطِّيب في بدنه فيلزمه الدم، وكذا إذا لِبَس المُعَصْفَر عندنا؛ لأنه محظور الإحرام عندنا، إذ المُعَصْفَر طِيب؛ لأن له رائحة طيبة] .

وقال الإمام ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" : [وأما الشيء الثاني من المتروكات فهو الطِّيب، وذلك أنَّ العلماء أجمعوا على أنَّ الطِّيب كله يحرم على المُحْرِم بالحج والعمرة في حال إحرامه] ـ.

وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" : (الثاني) من المحرمات (استعمال الطِّيب) للرجل وغيره (في ثوبه) كأن يشد نحو مسك وعنبر بطرفه أو يجعله في جيبه أو يلبس حليًّا محشوًّا به لم يُصمَت، وكثوبه سائر ملبوسه حتى أسفل نعله إن علق به شيء من عين الطِّيب؛ للنهي الصحيح عن لبس ما مسه ورس أو زعفران -وهما طِيب-؛ فهو ما ظهر منه غرض التطيب وقصد منه غالبًا] .

وقال الإمام الـمُوفَّق ابن قدامة في "المغني" : [(ولا يتطيب المحرم) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته: «لا تمسوه بطيب» رواه مسلم، وفي لفظ: «لا تحنطوه» متفقٌ عليه، فلما منع الميت من الطيب لإحرامه، فالحي أولى] .

تم نسخ الرابط