عاجل

دخان الفاتيكان.. رمز الانتخاب الأبوي الذي يشعل العالم

الدخان الأبيض والأسود
الدخان الأبيض والأسود فى اختيار البابا

على مدى قرون، احتفظت الكنيسة الكاثوليكية بلغة رمزية ذات طابع خاص، عبر طقوس دقيقة وغير لفظية تتحدث بها إلى العالم. في قلب مدينة الفاتيكان، وأمام أنظار الملايين الذين يترقبون، ينبعث من مدخنة صغيرة فوق كنيسة السيستين دخان أبيض أو أسود، معلنًا بداية أو نهاية الانتظار: هل تم انتخاب "الأب الأقدس" الجديد؟

الدخان الأسود: انتظار جديد للبابا

عندما يخرج الدخان الأسود من المدخنة، يدرك الجميع أن الكرسي البابوي ما زال شاغرًا. هذا اللون الكئيب يشير إلى أن الكرادلة لم يتمكنوا من اختيار بابا جديد بعد التصويت، ما يعني جولة أخرى من المحاولات. يتم إنتاج هذا الدخان عن طريق إحراق أوراق الاقتراع مع مواد كيماوية خاصة، ليظهر الدخان بلون قاتم، يرسل رسالة واضحة إلى الملايين في أنحاء العالم: الانتظار مستمر.

الدخان الأبيض: الإعلان التاريخي

لكن عندما ينبعث الدخان الأبيض من المدخنة، يتغير كل شيء. هذا الدخان، الذي يراه المتجمعون في ساحة القديس بطرس والملايين عبر شاشات التلفاز حول العالم، هو إعلان تاريخي عن انتخاب البابا الجديد. يتم تحضيره بإحراق أوراق التصويت مع مواد كيماوية خاصة تُنتج دخانًا أبيض نقي، يشير إلى أن عملية الاختيار قد انتهت بنجاح. لحظة إطلاق الدخان الأبيض تتبعها أجراس كاتدرائية القديس بطرس التي تقرع احتفالًا بولادة الأب الأقدس الجديد، وتُعلن العبارة الشهيرة: "Habemus Papam" (لدينا بابا).

طقوس انتخاب البابا

في كل مجمع مغلق (Conclave)، يلتقي الكرادلة لاختيار البابا الجديد بعد شغور الكرسي البابوي. يتم التصويت بشكل سري أربع مرات يوميًا، وفي كل جولة يتم إحراق أوراق الاقتراع في موقد متصل بمدخنة كنيسة السيستين. تُفرض قواعد صارمة على الانتخابات، حيث يتطلب الأمر حصول أحد المرشحين على تأييد ثلثي الأصوات على الأقل. في حال فشل التصويت، يخرج الدخان الأسود، ليُعيد العالم مرة أخرى إلى مرحلة الانتظار.

التطور الكيميائي: من الرمادي إلى الأبيض والأسود

في السابق، كان الدخان الناتج أحيانًا غير واضح اللون، ما أدى إلى ارتباك واسع بين المراقبين حول نتائج الانتخابات. ولكن في عام 2005، قررت الفاتيكان استخدام مواد كيميائية دقيقة جدًا لضمان أن يكون الدخان أبيضًا نقيًا أو أسودًا داكنًا لا لبس فيه. الدخان الأبيض يتكون من مزيج من لاكتات البوتاسيوم، بيركلورات البوتاسيوم، ومواد عضوية أخرى، بينما يتكون الدخان الأسود من مواد مثل أنثراسين وكربون أسود.

لحظة تاريخية وميراث رمزي

ما يُسجل في ذاكرة الكنيسة الكاثوليكية هو أن الدخان الأبيض ليس مجرد رسالة عن انتخاب بابا جديد؛ إنه رمز الوحدة الروحية لجميع المؤمنين حول العالم. مع كل جولة انتخابية، تنتظر العيون الدخان الأبيض، متأملة في أن يكون هذا هو اليوم الذي يولد فيه الأب الأقدس الجديد، الذي سيتولى قيادة 1.3 مليار كاثوليكي حول العالم.

رسالة الدخان: الصمت الأكثر دلالة

يبقى دخان الفاتيكان، بكل رمزيته، أكثر من مجرد إشارة بصريّة. فهو رسالة صامتة توصل أخبارًا مهمة للعالم، لا سيما في ظل انتظار قد يطول. من خلاله، ينتظر المؤمنون بصمت الإعلان الذي لا يتطلب كلامًا. الدخان الأبيض هو الرسالة الأكثر صدقًا، حيث يعبر عن اللحظة الفاصلة التي يتحدد فيها مصير الكنيسة، تاركًا وراءه ألف كلمة لا يمكن أن تعبّر عن عمق هذه اللحظة الروحية والسياسية في آن واحد.

تم نسخ الرابط