عاجل

دراسة ألمانية تكشف: كيف تغيّر القراءة الصباحية نشاط الدماغ؟

كيف تؤثر القراءة
كيف تؤثر القراءة على الدماغ؟

في رحلة علمية مثيرة لفهم العلاقة المعقّدة بين القراءة والدماغ، خاصة في فترة الصباح، حيث أجرى باحثون في معهد “ماكس بلانك” للعلوم المعرفية والدماغية البشرية دراسة تحليلية ضخمة، تناولت كيفية استجابة الدماغ لأنواع متعددة من القراءة.

الدراسة لم تكتفِ بتحليل الظواهر العامة، بل غاصت في تفاصيل دقيقة عن الفروق العصبية بين قراءة الحروف، والكلمات الحقيقية، والكلمات الزائفة (التي لا تحمل معنى)، والجمل والنصوص، كما تناولت الفرق بين القراءة الجهرية والقراءة الصامتة.

نشاط دماغي مختلف ومحدد الموقع

حلّلت الدراسة نتائج أكثر من 150 تجربة سابقة استخدمت وسائل تصوير الدماغ مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، وخلصت إلى نتيجة مركزية مفادها أن القراءة تنشّط بشكل رئيسي نصف الكرة المخية الأيسر، وتحديداً مناطق محددة فيه تتفاعل بشكل مغاير بحسب طبيعة النص المقروء.

فمثلاً، حين يقرأ الإنسان حروفاً مفردة، ينشط جزء معين من القشرة القذالية اليسرى، وهي المنطقة المسؤولة عن المعالجة البصرية الأولية.

لكن عندما يقرأ كلمات أو جملاً أو نصوصاً، تتوسع دوائر النشاط العصبي لتشمل مناطق أكثر تعقيداً، مثل القشرة الصدغية اليسرى، التي ترتبط بفهم اللغة والمعاني والسياق.

تأثير القراءة على الدماغ
تأثير القراءة على الدماغ

ماذا يحدث عندما نقرأ بصوت مرتفع مقارنة بالقراءة الصامتة؟

واحدة من أبرز المفاجآت التي كشفتها الدراسة هي الفروق الحادة بين القراءة العلنية (الجهرية) والقراءة الصامتة (الداخلية)، حيث لاحظ العلماء أن القراءة بصوت مرتفع تتطلب تنشيط المناطق السمعية والحركية، نظراً لاستخدام السمع والنطق، كما يتم استدعاء مناطق تتحكم في حركة الفم والحنجرة.

في المقابل، تنطوي القراءة الصامتة على نمط مختلف من النشاط العصبي، فهي تعتمد بدرجة أكبر على مناطق الدماغ المرتبطة بالمهام المعرفية العليا، مثل الفهم والتفكير المجرد والتأمل الداخلي.

هذه المناطق تُعرف باسم “مناطق الطلب المتعدد” (Multiple-Demand Network)، والتي تساعد على استيعاب السياق وتوقع الأحداث التالية في النص.

اختلافات دقيقة بين الكلمات الحقيقية والزائفة

تميّزت الدراسة كذلك بتسليط الضوء على تفاعل الدماغ مع الكلمات الزائفة، وهي تراكيب حرفية تُشبه الكلمات لكنها لا تحمل معنى.

أظهرت التحليلات أن التلفيف الجبهي السفلي الأيسر يتفاعل بشكل مختلف مع هذه الكلمات مقارنة بالكلمات الحقيقية، ما يشير إلى أن الدماغ يمكنه التمييز بين "البنية اللغوية" و"المعنى"، ويستجيب لهما بطرق منفصلة.

تأثير القراءة على الدماغ
تأثير القراءة على الدماغ

أهمية النتائج في علاج اضطرابات التعلم

تُعد هذه النتائج ذات أهمية كبرى ليس فقط لفهم كيفية عمل الدماغ، بل أيضاً لتطوير استراتيجيات علاجية للأشخاص الذين يعانون من صعوبات في القراءة، مثل اضطراب عسر القراءة أو صعوبات التعلم الأخرى.

فمعرفة المناطق العصبية المحددة التي تتفاعل مع القراءة بأنواعها المختلفة، تتيح للأطباء والمربين تصميم برامج تدخل معرفي تستهدف نقاط الضعف بدقة.

توحيد عالمي لآليات القراءة عبر اللغات

ولعل أكثر ما يمنح هذه الدراسة قوتها ومصداقيتها هو أنها شملت لغات متعددة وأنظمة كتابية مختلفة.

إذ لم تقتصر التجارب على لغة واحدة، بل تنوّعت بين اللغات الأبجدية والرمزية، مما يشير إلى وجود نوع من "الثبات العصبي" في كيفية استجابة الدماغ للقراءة، بغض النظر عن اللغة.

يمكن القول إن القراءة ليست فقط نشاطاً ذهنياً بسيطاً، بل هي عملية معقدة تتطلب تضافر شبكات عصبية متعددة، تختلف باختلاف نوع النص، وطريقة القراءة، وسياق المعلومات.

هذا الاكتشاف يفتح آفاقاً جديدة في علم الأعصاب المعرفي، وقد يكون الخطوة الأولى نحو بناء جيل جديد من البرامج التعليمية والعلاجية التي تراعي خصوصية الدماغ البشري في استقبال الكلمات وتحليلها.

تم نسخ الرابط