ما حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة؟ دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي

مع اقتراب موسم الحج والعمرة، تتجدد التساؤلات حول الأحكام الشرعية المتعلقة بالإحرام، خصوصًا تلك التي تخص النساء. ومن أبرز هذه الأسئلة التي تشغل بال كثير من المسلمات: ما حكم ارتداء النقاب أثناء الإحرام؟ وهل يُعد منهيًا عنه أم يجوز في حالات معينة؟ وأجابت دار الإفتاء في ذلك:
رأي دار الإفتاء في هذه المسألة:
تغطية المرأة المحرمة وجهها بنقابٍ أو غيره من محظورات الإحرام، وإنما يباح لها أن تستتر بإسدالِ شيءٍ متجافٍ -أي بعيد- لا يمس الوجه، فإن مس وجهها فرفعته مباشرة فلا شيء عليها، وإن تعمَّدت تغطية وجهها لسبب أو لغير سبب أو نزل عليه ما يغطيه ولم تسارع في إزالته تجب عليها الفدية بإجماع الفقهاء، والفدية في هذه الحالة على التخيير؛ بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة.
مفهوم الإحرام في الحج والعمرة
الإحرام: مصدر أحرم الرجل يحرم إحرامًا، إذا أهَلَّ بالحج أو العمرة لدخوله في عمل حَرُمَ عليه به فعل ما كان حلالًا؛ لأن "حرم" في اللغة بمعنى المنع والتشديد. قال ابن فارس في "مقاييس اللغة": [(حرم) الحاء والراء والميم أصل واحد، وهو المنع والتشديد. فالحرام ضد الحلال] اهـ.
وقال ابن منظور في "لسان العرب": [الْمُحَرَّم هو الحَرَم. وتقول: أَحْرَمَ الرجلُ، فهو مُحْرِمٌ وحَرَامٌ، ورجلٌ حَرَامٌ: أي مُحْرِم.. وأحْرَمَ بالحج والعمرة لأنه يحْرُمُ عليه ما كان له حلالًا من قبلُ، كالصيد والنساء. وأحْرَمَ الرجل: إذا دخل في الإحرام بالإهلال] اهـ.
والمراد بالإحرام عند جمهور الفقهاء نيَّة الدخول في الحج أو العمرة، ويتحقق عند الحنفيَّة وبعض المالكية بالإضافة للنية اقترانها بالتلبية.
قال المُلا خسرو الحنفي في "درر الحكام شرح غرر الأحكام" : [حقيقة الإحرام الدخول في الحرمة، والمراد الدخول في حرمات مخصوصة؛ أي التزامها، والتزامها شرط الحج شرعًا، غير أنه لا يتحقق ثبوته شرعًا إلا بالنية مع الذكر] اهـ.
وقال الشيخ زروق المالكي في "شرحه على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني" : [والإحرام صفة حُكْمِية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطء مطلقًا، وإلقاء التَّفَث والطِّيب، ولُبْس الذكورِ المخيطَ، والصيد لغير ضرورة. قال: وينعقد بالنية مع ابتداء توجه الماشي واستواء الراكب على راحلته، وشرط ابن حبيب تلبيته كتكبيرة الإحرام] اهـ.
وقال الشيخ سليمان الجمل الشافعي في "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب": [الإحرام وهو نية الدخول في النسك، وهو كما يطلق شرعًا على هذه النية يطلق أيضًا على الدخول في حج أو عمرة أو فيهما] اهـ.
وقال الشيخ البهوتي الحنبلي في "الروض المربع شرح زاد المستقنع": [(الإحرام) الذي هو نية الدخول في النسك لحديث: «إنما الأعمال بالنيَّات»] اهـ.
الواجب على المرأة عند لبس النقاب أثناء الإحرام
إذا قامت المرأة بتغطية وجهها بنقاب أو غيره حال إحرامها فإن عليها فدية على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
جاء في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني": [ولا يغطي المحرم رأسه ولا وجهه، والمحرمة لا تغطي وجهها، وإن فعل ذلك إن كان يومًا إلى الليل فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وكذلك لو غطى ربع رأسه فصاعدًا يومًا فعليه دم، وإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة] اهــ.
وقال الإمام الخراشي في "شرح مختصر خليل": [فإن فعلت المرأة شيئًا مما حرم عليها بأن لبست القفازين، أو سترت وجهها أو بعضه لغير ستر أو لستر وغرزت أو ربطت أو سترته لحر أو برد لزمتها الفدية إن طال] اهـــ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب": [أما الوجه فلا تستره.. (ولها أن تسدل) أي ترخي على وجهها (ثوبًا متجافيًا) عنه بخشبة أو نحوها سواء أفعلته لحاجة كحر وبرد وفتنة أم لا، كما يجوز للرجل ستر رأسه بمظلة ونحوها، (وإن أصابه) كأن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها (بلا اختيار منها فرفعته فورًا فلا فدية، وإلا) بأن اختارت ذلك أو لم ترفعه فورًا (وجبت) مع الإثم] اهــ.
وقال الشيخ ابن قدامة في (3/ 301): [ذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيًا عن وجهها، بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شيء عليها، كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي، ثم عاد بسرعة، لا تبطل الصلاة. وإن لم ترفعه مع القدرة؛ افتدت؛ لأنها استدامت الستر] اهــ.
وفدية تغطية الوجه عند جمهور الفقهاء غير الحنفية على التخيير بين: صيام ثلاثة أيام أو التصدق على ستة مساكين أو ذبح شاة؛ لقوله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة على مذهب عالم المدينة" : [والفدية.. ثلاثة أنواع: إطعام ستة مساكين مُدَّيْن لكل مسكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة وهي على التخيير دون الترتيب] اهــ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب": [باب ما يجب بمحظورات الإحرام من الكفارة وغيرها.. فكفارته أن يذبح شاة، أو يُطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام وهو مُخيَّر بين الثلاثة] اهــ.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "الكافي": [باب الفدية.. عليه ذبح شاة، أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام] اهــ.
أما فقهاء الحنفية فقد جعلوا فدية تغطية المرأة وجهها حال الإحرام دمًا إذا استمرت تغطية الوجه يومًا أو ليلة، وفي أقل من ذلك عليها صدقة.
قال الإمام ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 488، ط. دار الفكر): [لكن في تغطية كل الوجه أو الرأس يومًا أو ليلة دم والربع منهما كالكل، وفي الأقل من يوم أو من الربع صدقة كما في "اللباب"، وأطلقه فشمل المرأة لما في "البحر" عن غاية البيان من أنها لا تغطي وجهها إجماعًا. أي: وإنما تستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيء متجافٍ لا يمس الوجه] اهــ.