عاجل

منها الشيخوخة المبكرة وألم العضلات..اعرف تأثير العمل الليلي؟

 العمل الليلي
العمل الليلي

في عالم لا ينام، يتطلب العديد من المهن أن يستمر العمل على مدار الساعة، مما يدفع الملايين إلى العمل في نوبات ليلية. لكن دراسة بريطانية جديدة دقت ناقوس الخطر بشأن التأثيرات الخفية لهذا النمط من العمل، مشيرة إلى أن العمل الليلي قد يؤدي إلى ضعف في العضلات وتسريع مظاهر الشيخوخة، نتيجة لاضطراب في "الساعة البيولوجية" الخاصة بأنسجة العضلات.

ما هي الساعة البيولوجية ولماذا تلعب دورًا مهمًا؟ 

الساعة البيولوجية هي نظام داخلي موجود في خلايا الجسم، ينظم الإيقاع اليومي للعديد من الوظائف الحيوية، مثل النوم، الهضم، ودرجة حرارة الجسم. لكن ما لم يكن معروفًا سابقًا هو أن العضلات نفسها تحتوي على ساعات بيولوجية خاصة بها، تنظم عمليات التجديد والإصلاح الحيوي.

وفقًا للدراسة التي نشرتها جامعة كينغز كوليدج لندن في دورية PNAS العلمية، فإن هذه الساعة تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على قوة العضلات ومرونتها. وعندما يضطرب توقيت هذه الساعة – كما يحدث في حالات العمل الليلي أو اضطرابات النوم المزمنة – فإن هذا قد يؤدي إلى تدهور تدريجي في صحة العضلات.


أثر العمل الليلي على العضلات: نتائج علمية مقلقة

اعتمد الباحثون في دراستهم على استخدام أسماك الزرد كنموذج بيولوجي، وهي نوع من الأسماك يُستخدم على نطاق واسع في الأبحاث الطبية بسبب تشابه جيناتها مع الإنسان بنسبة تقارب 70%. وقد قام الفريق بتعديل الجينات الخاصة بهذه الأسماك لتعطيل الساعة البيولوجية في عضلاتها، ومن ثم راقبوا آثار ذلك على مدار عامين.

كانت النتائج لافتة؛ ففي المراحل المبكرة، لم تظهر تغييرات كبيرة في الكتلة العضلية، لكن مع مرور الوقت – وتحديدًا بعد سنتين – بدأت الأسماك تُظهر علامات الشيخوخة المبكرة، مثل انخفاض الطول والوزن، وتراجع النشاط البدني. هذه الأعراض تُشبه ما يُعرف بـ"الساركوبينيا" (Sarcopenia)، وهو مصطلح طبي يُشير إلى فقدان الكتلة العضلية المرتبط بالتقدم في العمر.

التنظيف الليلي: وظيفة حيوية تضطرب في غياب النوم

أظهرت الدراسة أن الساعة البيولوجية للعضلات تنشط في الليل لتقوم بعملية تُعرف باسم "التنظيف الليلي"، حيث تزيل البروتينات التالفة والمتراكمة في الأنسجة نتيجة النشاط العضلي خلال النهار. وتُعد هذه العملية ضرورية لإصلاح الأنسجة العضلية وتجديدها.

لكن عند اضطراب هذه الوظيفة – كما هو الحال لدى العاملين في نوبات ليلية لا يحصلون على نوم كافٍ – تتراكم البروتينات التالفة وتصبح الأنسجة أقل قدرة على التجدد، مما يؤدي إلى ضعف العضلات وتدهور وظائفها على المدى الطويل.

العمل الليلي والشيخوخة المبكرة: ما حجم الخطر؟

تشير الإحصائيات إلى أن نحو 4 ملايين شخص في المملكة المتحدة وحدها يعملون بنظام النوبات الليلية. ومع الأخذ في الاعتبار نتائج الدراسة، فإن هذه الفئة قد تكون معرّضة لخطر متزايد للإصابة بضعف العضلات، وانخفاض اللياقة البدنية، ومظاهر الشيخوخة المبكرة.

كما قد تنعكس هذه التأثيرات سلبًا على جودة الحياة العامة، خاصة في المراحل العمرية المتقدمة، حيث يصبح الحفاظ على الكتلة العضلية أمرًا حيويًا للاستقلالية والحركة.

آفاق علاجية جديدة: هل يمكن إصلاح الساعة البيولوجية؟

في ضوء هذه النتائج، يعمل الباحثون حاليًا على تطوير علاجات دوائية تستهدف تنظيم البروتينات المسؤولة عن ضبط الساعة البيولوجية في العضلات. تهدف هذه العلاجات إلى تقليل تأثير اضطراب النوم على الكتلة العضلية، وتحسين قدرة الجسم على ترميم الأنسجة حتى في حالات نقص النوم أو العمل الليلي المستمر.

ويأمل الفريق البحثي أن تساهم هذه الجهود في تحسين جودة حياة العاملين ليلاً، خاصة مع التوسع العالمي في أنماط العمل المرنة والعمل بنظام الورديات.

نصائح للحد من التأثيرات السلبية للعمل الليلي

رغم صعوبة تغيير نمط العمل في بعض الأحيان، يمكن اتباع بعض الإجراءات لتقليل أثر النوبات الليلية على الصحة العضلية:

  • الحفاظ على روتين نوم منتظم حتى في النهار
  • اتباع نظام غذائي غني بالبروتين لدعم صحة العضلات
  • ممارسة الرياضة بانتظام لتحفيز عملية تجديد الأنسجة
  • استخدام إضاءة مناسبة خلال النوبات الليلية للمساعدة في ضبط الساعة البيولوجية
  • أخذ فترات راحة قصيرة خلال العمل لتحسين الدورة الدموية والنشاط البدني

العمل الليلي ليس بلا ثمن

تُعد هذه الدراسة تنبيهًا مهمًا إلى أن نوبات العمل الليلية لا تؤثر فقط على جودة النوم، بل تمتد آثارها إلى الصحة العضلية والشيخوخة المبكرة. ومع تزايد اعتماد المجتمعات على أنماط العمل المرنة، تصبح الحاجة ماسة لفهم التأثيرات الصحية بعيدة المدى واتخاذ إجراءات وقائية للحفاظ على صحة الموظفين وجودة حياتهم.

تم نسخ الرابط