عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر يكشف سر العلم الحقيقي وطريقة صنع العلماء

ألقى الدكتور محمد أبو موسى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، درسًا من دروس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» للإمام عبد القاهر الجرجاني، وسط حضور طلاب العلم ورواد حلقات المساجد.
بدأ عضو هيئة كبار العلماء، حديثه بإشارة بليغة إلى لحظة الغرغرة، مستشهدًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يُخبِر فيه أن الميت يُعلَم بمنزلته عند الله من قِبل ملك الموت، وأن الإنسان في سكرات الموت إما أن يقول: "قدّموني قدّموني" فرحًا بلقاء الله، أو يقول: "ويلي أين تذهبون بي؟!" جزعًا من المصير، مشددًا على أن النجاة لا تكون إلا بالعمل الصالح والابتعاد عن المعاصي، فالعبرة ليست بالأمنيات وإنما بالأفعال.
الذكر والقرآن.. طريق المحبة والرفعة
ودعا عضو هيئة كبار العلماء، إلى الإكثار من ذكر الله، مبينًا أن مَن أحب الله حبب إليه ذكره، واستشهد بقوله تعالى: "فاذكروني أذكركم"، مشيرًا إلى أن أعظم الذكر هو تلاوة القرآن، ومحذرًا من هجره، لأنه أعظم وسيلة للسمو الروحي والعقلي.
كما تناول عضو هيئة كبار العلماء قضية مركزية في كتاب «دلائل الإعجاز» وهي أن جمال الكلام وبلاغته لا ترجع إلى اللفظ بقدر ما ترجع إلى المعنى، وهي الفكرة التي أسس لها الإمام عبد القاهر الجرجاني في أول ما كتب عن البلاغة، خاصة في كتابه «أسرار البلاغة»، مؤكدًا أن الجناس - الذي كان يُعدّ من المحسنات اللفظية - له بعد معنوي دقيق.

وأكد عضو هيئة كبار العلماء، أن لغة العلم يجب أن تكون في مستوى العلم، وأن حفظ العلم لا يكون كاملاً دون حفظ لغته، مشددًا على أن الأسرار البلاغية الدقيقة تحتاج عقلًا متغلغلًا يخرجها للسطح. ونبّه إلى خطورة الاكتفاء بظواهر المعرفة، داعيًا إلى الغوص في المعاني والتأمل فيها.
التدبر لا التكرار.. سر العلم الحقيقي
وأشار عضو هيئة كبار العلماء، إلى الإمام المزني الذي قرأ "الرسالة" للإمام الشافعي خمسمائة مرة، لا لتحصيل معلوماتها فقط، بل لاستخراج خفاياها الفكرية، معلقًا بأن التدبر هو جوهر القراءة، وأن العلم ليس في الترديد بل في إعادة إنتاج الفكر.
وأوضح أن التعليم الحقّ يصنع عقلًا جديدًا وفكرًا جديدًا، ولا يقف عند حدود التلقين، مؤكدًا أن الطالب لا ينبغي أن ينتظر من المعلم أن يخبره بكل شيء، بل عليه أن يتعلم الاستنباط والقياس.
المسجد مصنع العلماء
وفي مقارنة بين التعليم الجامعي والتعليم في المساجد، قال عضو هيئة كبار العلماء: إن دروس المساجد تتميز بآفاقها الفكرية المفتوحة، وهي التي خرجت العلماء على مر العصور، بخلاف الدروس النظامية التي قد تقف عند حدود المنهج.
واختتم الدرس بنداء للأجيال الجديدة، مؤكدًا أن الوفاء الحقيقي للأوطان هو أن تخرج من هم أفضل منك، فالطبيب عليه أن يخرج طبيبًا أعلم، والمعلم معلمًا أقدر، والباحث باحثًا أعمق، محذرًا من خيانة العلم والرسالة.