عاجل

من السلخانة لمدرجات الطب.. أحمد شاب في السابعة عشرة يحارب من أجل حلمه

والد الشاب
والد الشاب

في شارع جانبي من شوارع الشرقية، حيث تختلط رائحة اللحم الطازج بالبخار المتصاعد من ماء السلخانة، يبدأ يوم أحمد حسين، ابن السابعة عشرة، قبل أن تستيقظ المدينة، لا يشبه صباحه صباح أقرانه. فالفتى، الطالب بالصف الثاني الثانوي شعبة علمي علوم، يرتدي مئزر الجزار، لا الزي المدرسي، ويمضي إلى عنبر السلخانة حيث تنتظره ساعات من العمل الشاق.

بدأت أشتغل من رابعة ابتدائي

حين كان الأطفال في مثل عمره يلهون في الحارات أو يتبارون في حفظ جدول الضرب، كان أحمد يقف بجانب والده ممسكًا بسكين صغيرة، يتعلم أسرار المهنة التي أورثها الزمن لوالده. يقول أحمد:" كنت بروح مع بابا من وأنا في ابتدائي، ساعدته في المحل وفي السلخانة، وكنت مبسوط إن لي دور.. حتى لما كنت بتعب".

رحل شقيقه الأكبر في سن مبكرة، فوجدت الأسرة نفسها في أزمة. لم يكن هناك وقت للحزن، فقط مسؤوليات يجب أن تُحمل، وهموم تنتظر من يرفعها. حملها أحمد، ولم يتذمر، وقال:" أمي قالتلي: لازم تسندني زي أخوك.. ومن ساعتها قررت أكون السند"

السلخانة.. والعمل بين الأبخرة والحديد

من السابعة صباحًا وحتى العصر، وأحيانًا حتى العشاء في المواسم، يعمل أحمد وسط ظروف جسدية قاسية، يرفع اللحوم، ينقل الذبائح، يواجه الروائح والأدخنة والحرارة العالية، يقول:" الشغل ده مرهق جدًا، بس أنا متعود.. ووالدي علمني أشتغل بضمير، حتى لو تعبت."

لكن رغم الإجهاد، لا تفارق الكتب حقيبته. ما إن يعود إلى البيت، حتى يتحول من جزار إلى طالب علم. يتناول الغداء على عجل، ويجلس ليذاكر، ويستغل كل دقيقة فراغ في مراجعة دروسه، خاصة مادة الأحياء التي يحبها، قائلا:" الأحياء بحبها جدًا.. تشريح الأسنان جذبني، وبقيت أقرأ عنها من نفسي، عاوز أبقى دكتور أسنان".

حلم أبيض في واقع شاق

حلم أحمد ليس رفاهية، بل نافذة النجاة الوحيدة من دائرة الكدح المتوارثة. يرى في كلية طب الأسنان مستقبله، ويؤمن أن التعليم هو السبيل لتغيير الواقع:"أنا مش بذاكر علشان الدرجات بس، أنا بذاكر علشان نفسي.. وعلشان أحقق حلم أمي وأبويا"، ورغم أنه يعيش بين السكاكين والحديد، قلبه معلق بالمعامل والمدرجات. وجهه يحمل علامات التعب، لكن فيه بريق حلم لا يخفت.
 

تم نسخ الرابط