بعد الحادث الإرهابي.. الهند وباكستان تقتربان من حافة الهاوية في كشمير

على الأرجح، سوف يمثل الحادث الإرهابي، الذي وقع في 22 أبريل 2025، في منتجع باهالجام Pahalgam السياحي علامة فارقة في تاريخ كشمير، بل وربما أيضاً في تاريخ العالم كله. إذ أدى هذا الهجوم، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 26 مدنياً، مع إصابة 17 آخرين، بينهم سياح وسكان محليون، على يد إرهابيين في المنطقة التي تخضع للإدارة الهندية من كشمير، إلى اتخاد إجراءات تصعيدية خطيرة من جانب الهند وباكستان، الأمر الذي يضع العالم أمام أزمة متفجرة جديدة في إحدى أكثر المناطق مأهولة بالسكان وبين دولتين نوويتين.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بعد فترة وجيزة من وقوع هذا الهجوم، سارعت الشرطة الهندية إلى نشر رسوم لثلاثة أشخاص مشتبه بهم، من بينهم مواطنان باكستانيان، واصفة إياهم بأنهم أعضاء في جماعة "عسكر طيبة" المتطرفة التي تتخذ من باكستان مقراً لها. وعرضت الشرطة الهندية أيضاً مكافأة قدرها مليونا روبية "أكثر من 20 ألف يورو" في مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على المشتبه بهم. كما قام الجيش الهندي بتدمير منزلين قيل إنهما لعائلات منفذي الهجوم.
ورغم مسارعة إسلام اباد بنفي أي تورط لها في هذا الحادث المأساوي، إلا أن نيودلهي اتخذت العديد من الاجراءات التي تعكس اليقين من أن باكستان هي التي تقف وراء هذا الهجوم. فمن ناحية، أعلنت الهند، على لسان وكيل وزير الخارجية فيكرام ميسري، تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند Indus Waters Treaty لعام 1960، وأمرت المواطنين الباكستانيين المقيمين على أراضيها بمغادرة البلاد بحلول 29 أبريل، وأغلقت المعبر الحدودي البري الرئيسي مع باكستان. ومن جهته، صعّد رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي خطابه المتوعد تجاه مخططي ومنفذي الهجوم، مشيراً إلى أن الهند "ستحدد هوية الإرهابيين ومن يدعمهم وتلاحقهم وتعاقبهم .. حتى لو كانوا في أقاصي الأرض". الأمر الأكثر أهمية هو أن وزير الدفاع الهندي راجناث سينج تعهد بـ "رد قوي"، وباتخاذ إجراءات ليس فقط ضد مرتكبي هذه "الأعمال الشنيعة" على الأراضي الهندية، بل أيضاً ضد "العقول المدبرة وراءها".
ورداً على ذلك، أعلنت إسلام آباد، عقب اجتماع نادر لمجلس الأمن القومي الباكستاني، بأن أية محاولة لتحويل مياه نهر السند عن باكستان من جانب نيودلهي ستُعامل كـ"عمل حربي"، وأوقفت التأشيرات للهنود باستثناء الحجاج السيخ. كما أغلقت أيضاً الحدود والمجال الجوي أمام شركات الطيران الهندية، وعلّقت التجارة الثنائية مع الهند، بالإضافة إلى وقف مشاركتها في اتفاقية شيملا لعام 1972، التي أنهت رسمياً حرب عام 1971 بين البلدين. وفي 25 أبريل 2025، أقر مجلس الشيوخ الباكستاني بالإجماع قراراً يرفض مزاعم الهند بشأن الهجوم الإرهابي الأخير، ويدين جميع أشكال الإرهاب، ويدين الدعاية الهندية "المزعومة" وتعليق معاهدة مياه نهر السند باعتبارها "عملاً حربياً" محتملاً، ويحذر من أن باكستان قادرة تماماً على الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها. ومن ناحية أخرى، دعت إسلام أباد أيضاً إلى إجراء تحقيق "محايد" في هذا الهجوم الإرهابي، مؤكدة استعدادها للتعاون وتفضيلها للسلام.
ومن ناحيته، نفى وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، صحة الادعاء الهندي، بأن جماعة عسكر طيبة هي التي تقف وراء هذا الحادث الإرهابي، مشيراً إلى أن هذه الجماعة "انتهت"، ولم يعد لديها القدرة على التخطيط أو شن هجمات من الأراضي الباكستانية. وأضاف آصف للصحيفة أيضاً أن الهند استغلت تداعيات هذا الهجوم كذريعة لتعليق العمل بمعاهدة المياه ولأغراض سياسية داخلية، مؤكداً على أن الهند اتخذت خطوات لمعاقبة باكستان "من دون أي دليل، ومن دون أي تحقيق". وشدد أيضاً على أن الباكستانيين لا يريدوا "إشعال الحرب، لأنها يمكن أن تسبب كارثة للمنطقة".
وفي الواقع، أيد عدد من المراقبين التقدير الباكستاني بعدم قدرة جماعة عسكر طيبة على القيام بهذا الهجوم لعدة اسباب، منها على سبيل المثال أن موقع الحادث يبعد حوالي 300 كيلومتر من خط السيطرة، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن تقوم هذه الجماعة بتنفيذ هذا الهجوم، في ظل التضاريس الوعرة والاجراءات الأمنية المشددة لأكثر من 700 ألف عنصر امني هندي في المنطقة (إلا إذا كان هناك تواطؤ ما أو فشل استخباراتي كبير على الجانب الهندي). ومما يزيد من صعوبة الأمر، أن الحادث وقع في تمام الساعة الثالثة عصراً، وفي وضح النهار، وبحضور أكثر من ألفي سائح. وعلاوة على ذلك، ركزت جماعة عسكر طيبة تاريخياً عملياتها عادة على الأهداف العسكرية - لا المدنيين - بما يتماشى مع هدفها المعلن المتمثل في "كسب قلوب وعقول" السكان الكشميريين. كما أن المشاركة السابقة لهذه الجماعة في الجهود الإنسانية، التي تزامنت مع زلزال عام 2005، تُضعف رواية تورطها في هجمات تستهدف السياح الأبرياء. وكان من الغريب أيضاً أنه في غضون دقائق من وقوع الحادث، بدأت حسابات هندية على مواقع التواصل الاجتماعي، مرتبطة بوكالة الاستخبارات الهندية، بإلقاء اللوم على باكستان. والأكثر غرابة، أنه على الرغم من التقارير التي أفادت بوقوع عشرات القتلى والمصابين، لم تُعثر على أية أدلة فيديو موثوقة من موقع الحادث أو من المستشفيات التي تم نقل القتلي والمصابين إليها.
إقليم متفجر
يشير الخبراء في الشأن الآسيوي إلى أن الخلافات حول كشمير تعود إلى عام 1946، عندما كان يتم ترتيب الأوضاع لمرحلة ما بعد رحيل الاحتلال البريطاني عن شبه الجزيرة الهندية. ففي ذلك الحين، تم الاتفاق على أن الولايات الأميرية في الهند لها الحق في الالتحاق بباكستان أو الهند أو البقاء خارجهما ككيانات مستقلة بعد رحيل البريطانيين. وتم الاستقرار على مبدأ التقسيم بين الدولتين على أساس ديني، إذ أعلن حكام المناطق ذات الغالبية المسلمة رغبتهم بالالتحاق بباكستان فيما ذهبت غالبية الولايات الأميرية الأخرى للهند. لكن كشمير كانت تمثل حال استثنائية في هذا السياق، إذ كان غالبية سكانها مسلمين، بينما لم يكن حاكم كشمير المهراجا هاري سينج مسلماً، ما فتح الباب أمام قادة الهند أيضاً لإقناعه بالانضمام إلى الهند. وبين هذا وذاك وتحت الضغوط الممارسة من الجانبين الهندي والباكستاني، تردد هاري سينج في أخذ القرار وأبقى الولاية الأميرية مستقلة، لكن المشاعر الدينية والقومية المتأججة آنذاك في المنطقة لم تحتمل التأخير في حسم الأمر، فثار سكان كشمير وظهر تمرد مسلح ضد هاري سينج في بعض مناطق كشمير، وتزامنت معها مجازر طائفية دامية ضد المسلمين على يد المتطرفين السيخ والهندوس بدعم من المهراجا، ليرد المسلمون بدورهم بمجازر مماثلة ضد الهندوس في المناطق التي سيطروا عليها خلال التمرد.
ومنذ ذلك الحين، اشتعلت الأوضاع في كشمير وانطلقت الشرارة التي التهم لهيبها فيما بعد المنطقة كلها في ثلاثة حروب دامية بين نيودلهي وإسلام أباد في أعوام 1948 و1965 و1971، أسفرت عن توقيع اتفاق الهدنة بين الجانبين الهندي والباكستاني في عام 1972.
وفي الوقت الراهن، تنقسم كشمير إلى سبع مناطق، تُديرها ثلاث دول مختلفة: باكستان، التي تحكم قسمي جيلجيت-بلتستان وآزاد كشمير؛ والهند، التي تحكم أقسام جامو ولداخ ووادي كشمير؛ والصين، التي تحكم قسمي أكساي تشين ومنطقة كاراكورام. وبينما تُطالب الهند بجميع المناطق السبع (بما في ذلك الخاضعة للسيطرة الصينية)، تُطالب باكستان فقط بالمناطق الخاضعة إلى السيطرة الهندية بالإضافة إلى مناطقها الخاصة.
وطوال النصف قرن الماضي، أصرت إسلام أباد على دعم حق مناطق كشمير، الخاضعة للسيطرة الهندية، في تقرير المصير، مشيرة إلى انتهاكات نيودلهي لحقوق الإنسان، الناجمة عن الوجود العسكري المفرط والأساليب القسرية التي تتبعها في حكم هذه المناطق. وفي سعيها لحل النزاع في كشمير، دعت باكستان إلى إشراك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، إلا أن الهند رفضت ذلك، وسعت إلى إبقاء كشمير قضية ثنائية مع إسلام أباد، التي تتهمها باستمرار بدعم "الإرهاب العابر للحدود" في المناطق الهندية في كشمير.
اللعب بالنار
على أية حال، الحادثة الإرهابية الأخيرة في باهالجام، وما تبعها من تصعيد متبادل بين نيودلهي وإسلام أباد تشير إلى أن العالم مقبل على أزمة خطيرة. فمن المرجح أن يُوقف التدهور السريع في العلاقات بين الهند وباكستان معظم التفاعلات الاقتصادية الثنائية خلال الأسابيع القليلة المقبلة على الأقل، وربما لعدة أشهر. ومن المرجح أيضاً أن تحشد الهند قوات عسكرية قرب كشمير، وخاصةً القوات الجوية، تمهيداً لعمليات عسكرية محتملة ضد منشآت المسلحين في كشمير الباكستانية، وربما خارجها أيضاً. ورداً على ذلك، من المرجح أن تعزز باكستان من مواقعها العسكرية في كشمير. ومع إجلاء المواطنين من كلا الجانبين، ستزداد احتمالية توجيه الهند وباكستان لضربات عسكرية متبادلة، وبالتالي سوف تتصاعد احتمالية اندلاع عنف طائفي في منطقة جنوب آسيا برمتها.
عسكرياً، هناك طيف واسع من الخيارات أمام صانع القرار الهندي، بدءاً من عمليات محدودة عبر خط السيطرة، مروراً بضربات عسكرية دقيقة ضد أهداف بالغة الأهمية، وصولاً إلى عملية عسكرية شاملة. وبما أن معظم التجارة إلى باكستان تمر عبر البحر، فقد تقوم نيودلهي أيضاً بفرض حصار بحري على باكستان.
كذلك، قد تلجأ نيودلهي إلى تغيير سياستها القائمة على "عدم البدء باستخدام" الأسلحة النووية، إذ سيبعث ذلك برسالة ردع قوية إلى باكستان مفادها أن عصر الصبر الاستراتيجي قد ولّى.
وسيتوقف الأمر في المدى القصير على موقف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من تصعيد مستوى المواجهة مع باكستان. إذ يدرك مودي أن عدم الرد على الهجوم الارهابي الأخير سيشجع أنصاره في التيار الهندوسي اليميني المتطرف، والمعارضة البرلمانية الصاعدة حديثاً، والتي سعت بالفعل إلى تصوير هذا التطور على أنه فشل لسياسته في كشمير. والأهم من ذلك، أن مودي يُدرك أيضاً - لا سيما بالنظر إلى الخسائر التي لحقت بالهند جراء الهجوم - أن أي رد فعل أقل من رد فعل قوي وواضح لن يُهدِّئ الرأي العام الهندي. ولذلك، من المرجح أن يستغل مودي الهجوم الإرهابي الأخير في كشمير ليُصوّر نفسه كقائد قوي وقادر على الدفاع عن الوطن في وجه العدو والجار اللدود باكستان.
ومن ناحية أخرى، سوف يجعل تاريخ الهند وباكستان، إلى جانب إمكانية منع الهند للمياة في نهر السند من الوصول إلى باكستان، الأزمة القادمة في المنطقة أمراً شبه مؤكد.
وفي هذا السياق، تشكل الأسلحة النووية، التي يمتلكها الجانبان، خطراً وقيداً في آن واحد، إذ تُجبر صناع القرار من كلا الجانبين على التحلي بالحذر. وفي كل الاحوال، أياً كان المسار الذي سوف تختاره الهند، ومهما كان رد فعل باكستان، فإن كل خطوة ستكون محفوفة بالمخاطر، وستكون أيضاً في اتجاه هاوية سحيقة.