ما حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجر عليه ؟ دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي

يثار بين الناس تساؤل مستمر حول حكم قراءة القرآن الكريم في مجالس العزاء وأخذ أجر مقابل ذلك، وهي مسألة اختلف فيها العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً. وبينما تنتشر عادة قراءة القرآن في السرادقات والمآتم مقابل مبلغ مالي، يتساءل البعض عن مدى مشروعية هذا الفعل من منظور الشريعة الإسلامية. فما هو الرأي الشرعي؟ وما الأدلة التي يستند إليها الفقهاء؟
قراءة القرآن في العزاء: مشروعة أم بدعة؟
في الأصل، قراءة القرآن الكريم عبادة عظيمة، أمر بها الإسلام وندب المسلمين إليها في كل وقت وحين، دون تخصيص زمان أو مكان معين إلا بدليل. وقد أجمع العلماء على أن تلاوة القرآن عمل صالح يُثاب عليه المسلم. لكن تخصيص مجلس العزاء لقراءة القرآن مقابل أجر مادي هو موضع الخلاف.
يرى كثير من العلماء أن قراءة القرآن في العزاء للتذكير بالموت وطلب الرحمة للميت أمر جائز ما لم يكن ذلك مقروناً بعقود مالية أو اشتراطات دنيوية، ويشترط أن تكون القراءة خالصة لوجه الله دون أجر.
حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن: اختلاف فقهاء
الرأي الأول (الجواز بشروط):
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية إلى جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن، بشرط أن تكون القراءة مباحة ومشروعة، وأن لا تتحول إلى تجارة دنيوية بحتة تفقدها نيتها التعبدية. واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله” (رواه البخاري)،
الذي ورد في شأن تعليم القرآن، وقالوا إنه يُقاس عليه أخذ الأجرة على التلاوة نفسها.
الرأي الثاني (المنع والكراهة):
بينما ذهب فريق آخر من المالكية وبعض الحنفية إلى كراهة أخذ الأجرة على قراءة القرآن، واعتبروا أن القراءة عمل تعبدي يجب أن يُؤدى لله وحده لا لمقابل دنيوي. واحتجوا بقوله تعالى:
“اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون” (يس: 21)،
معتبرين أن أخذ الأجر يُنقص من الأجر والثواب الأخروي.
رأي دار الإفتاء المصرية:
أوضحت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية أن قراءة القرآن في مجالس العزاء أمر جائز شرعًا إذا خلت النية من الرياء، وكان المقصد هو الدعاء للميت وتذكير الناس بالآخرة.
وفيما يتعلق بالأجرة، أكدت دار الإفتاء أن أخذ المال مقابل قراءة القرآن جائز شرعاً، طالما كان القارئ محترفًا متفرغًا للقراءة ولا يفرض أجرة محددة على الناس، بل يُعطى من باب الإكرام دون اشتراط.
و بناءً على اختلاف آراء العلماء :
يتبين أن قراءة القرآن في العزاء جائزة في الأصل إذا كانت خالصة لوجه الله، وأخذ الأجرة عليها محل خلاف بين الفقهاء. ومع ذلك، تميل الفتاوى المعاصرة، ومنها رأي دار الإفتاء المصرية، إلى القول بجواز أخذ الأجرة بشروط، أبرزها عدم الاشتراط الصريح وعدم فقدان النية التعبدية.
وفي كل الأحوال، يبقى الأصل أن تكون قراءة القرآن عبادة لا تجارة، وأن يتحرى المسلم الإخلاص والنية الصادقة في كل عمل يقوم به