مسلة مصرية
عمرها آلاف الأعوام.. اكتشاف سبع رسائل سرية على مسلة مصرية في باريس

على مدار ما يقارب القرنين من الزمن، احتضنت باريس مسلة مصرية والتي تعد قطعة نادرة لا تقدر بثمن من تاريخ الحضارة المصرية، ونصب أثري أخاذ يقف شامخًا في قلب المدينة ويأسر الأبصار بجماله وروعة نقوشه.
تقع مسلة الأقصر الشهيرة في ساحة الكونكورد، أكبر ساحات باريس الواقعة في الدائرة الثامنة، وقد تم نحتها في مصر منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، خلال حكم الفرعون رمسيس الثاني، حوالي عام 1250 قبل الميلاد.
ونحتت المسلة من الجرانيت الأحمر، وقد أُهديت إلى فرنسا في القرن التاسع عشر، كعلامة صداقة بين البلدين.

رسائل سرية على مسلة مصرية في باريس
لطالما اعتقد العلماء أن النقوش الهيروغليفية التي تغطي جوانب المسلة الأربعة قد فُكّ شفرتها بالكامل، لا سيما بعد أن تُوّجت المسلة بغطاء هرمي مغطى بأوراق الذهب أضيف في تسعينيات القرن الماضي، تعزيزًا لجمالها وهيبتها.
غير أن الدكتور جان جيوم أوليت بيليتييه، عالم المصريات في جامعة باريس السوربون، كشف مؤخرًا عن مفاجأة مذهلة، إذ أعلن اكتشافه لسبع رسائل سرية مخفية داخل نقوش المسلة.
إحدى هذه الرسائل تتضمن عبارة غامضة تقول: "استرضاء قوة الكا لآمون"، في إشارة إلى إله الهواء عند المصريين القدماء. وعلق العالم على هذه الرسالة قائلاً: "وجود هذه العبارة يذكّرنا بأهمية الاستمرار في تقديم القرابين للآلهة، حتى لا تنقلب قوتهم الحيوية، التي يمكن أن تكون مدمرة، على البشر".
"مسلتي الأقصر" من الجرانيت
تعد هذه المسلة إحدى مسلتين تعرفان باسم "مسلتي الأقصر"، وقد نحتت كل منهما من قطعة واحدة ضخمة من الجرانيت الأحمر قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وبينما بقيت إحدى المسلتين في مكانها الأصلي خارج معبد الأقصر بمصر، تم نقل الأخرى إلى باريس على متن سفينة صُممت خصيصًا لهذا الغرض في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
وفي عام 1836، أمر الملك لويس فيليب بإقامة المسلة في ساحة الكونكورد، وهي الساحة التي شهدت العديد من الإعدامات خلال الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. وتتميز كلتا المسلتين بنقوش هيروغليفية بارزة على جوانبها الأربعة، تمتد على طول ارتفاعهما البالغ أكثر من 22 مترًا.
وفي القرن التاسع عشر، قدم عالم المصريات الفرنسي فرانسوا شاباس ترجمة شاملة لنقوش مسلة باريس، وهي ترجمة لا تزال متاحة حتى اليوم. غير أن الدراسة الحديثة التي أجراها الدكتور أوليت بيليتييه كشفت عن سبع رسائل سرية لم يتم التعرف عليها من قبل.

7 رسائل سرية
خلال فترة الإغلاق العام التي فرضتها جائحة كوفيد-19، أتيحت للدكتور أوليت بيليتييه فرصة نادرة للصعود إلى قمة المسلة، ليصبح أول متخصص يحقق هذا الإنجاز منذ تركيب المسلة في ساحة الكونكورد عام 1836. واستفاد من سقالات تم نصبها خصيصًا لأعمال الترميم استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية باريس 2024.
وخلال عدة أيام من العمل الميداني، أجرى العالم قياسات دقيقة وتحليلات فنية مفصلة للنقوش، ليكتشف وجود ما يُعرف بـ"الكتابات الهيروغليفية المشفرة"، وهي رسائل مخفية داخل الرموز الهيروغليفية، لا يستطيع فكها سوى عدد محدود من العلماء حول العالم.
وأوضح الدكتور في تصريح لمجلة "ساينس إي أفينير" الفرنسية أن "المسلة تحتوي على طبقات متعددة من التشفير الهيروغليفي"، وأضاف: "بينما كان عامة المصريين قادرين على قراءة الهيروغليفية، كانت هناك نخبة معينة فقط تستطيع فهم الرسائل السرية التي اعتُبرت لغة الآلهة".
وقد صُممت الواجهة الغربية للمسلة لتكون مرئية من النبلاء الذين كانوا يصلون إلى المعبد بالقوارب عبر نهر النيل، عندما كانت المسلة في موقعها الأصلي. ويصور أحد المشاهد المنحوتة على هذا الجانب الفرعون رمسيس وهو يقدم القرابين للإله آمون، في مشهد يُعتبر "رسالة دعائية تؤكد السيادة المطلقة للفرعون"، حسب تعبير العالم.
أما الوجه الشرقي للمسلة – والذي كان يواجه الصحراء حينذاك – فيحمل داخل غطاء الرأس الذي يرتديه رمسيس الثاني قرون ثور منحوته بدقة، وهي بحسب الدكتور تمثل الكلمة الهيروغليفية "كا"، التي ترمز إلى "القوة الحيوية للإله".

وأشارت مجلة "ساينس إي أفينير" إلى أن ما توصل إليه الدكتور أوليت بيليتييه "يتجاوز حدود الفهم الحالي لأي متخصص في علم المصريات، حتى من يجيدون قراءة الهيروغليفية". واللافت أن المسلة التوأم في معبد الأقصر ليست مطابقة تمامًا لتلك الموجودة في باريس، وقد تحتوي بدورها على رسائل خفية لم تُكتشف بعد، نظرًا لاختلاف ارتفاعها ونقوشها جزئيًا.
حتى الآن، لم يتضح ما إذا كان تحليل الدكتور أوليت بيليتييه قد شمل المسلة الثانية في مصر أيضًا، فيما أكدت صحيفة "ميل أونلاين" أنها تواصلت مع الأكاديمي للحصول على معلومات إضافية. ومن المقرر أن تُنشر الرسائل السبع المكتشفة على مسلة باريس بالكامل في دراسة علمية مفصلة، ستصدر قريبًا ضمن مجلة ENIM المتخصصة في علم المصريات والتابعة لجامعة مونبلييه.