ما بين الثورة والحرب الأهلية والنزوح..ما شكل الديموغرافيا السورية الأن؟ /تحليل

منذ اندلاع الثورة السورية في مارس عام 2011، شهدت سوريا تحولات ديمغرافية عميقة، لم تغير وجه البلاد على المستوى السياسي فقط وإنما على المستويين السكاني والاجتماعي.
فعلى مدى أكثر من عقد، لم تكن الحرب مجرّد صراع عسكري وسياسي، بل تحوّلت إلى واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تأثيراً على النسيج السكاني في الشرق الأوسط.
ومع سقوط نظام بشار الأسد، الذي استمر في الحكم لأكثر من عقدين، برزت تساؤلات ملحة حول ما تبقى من التركيبة السكانية لسوريا، وكيف أعادت الحرب رسم الخارطة الديمغرافية في البلاد.

اتفاقات المصالحة والمناطق المحاصرة
بحسب تقارير الأمم المتحدة الدورية خلال إبان اشتعال فتيل الحرب الأهلية، فإن أكثر من نصف سكان سوريا اضطروا إلى النزوح داخليًا أو اللجوء إلى خارج البلاد.
وتُقدَّر أعداد اللاجئين السوريين بما يفوق 6.5 مليون لاجئ، يتوزعون بين تركيا، لبنان، مصر، الأردن وأوروبا، إضافة إلى قرابة 7 ملايين نازح داخلي.
هذه الحركة الضخمة أدت إلى إفراغ مناطق بأكملها من سكانها الأصليين، لا سيما في حمص وريف دمشق وحلب، لصالح إعادة توطين جماعات أخرى، غالباً بتخطيط أو تسهيل من النظام وحلفائه الإقليميين، وعلى رأسهم إيران.
عمليات التهجير كانت ممنهجة في كثير من الأحيان، عبر ما يُعرف بـ"اتفاقات المصالحة" التي فرضت على فصائل المعارضة والمدنيين في المناطق المحاصرة، ورافقتها تغييرات ديمغرافية متعمدة، حيث استُبدلت بعض المكونات الطائفية والعرقية، مما أثار اتهامات بالتطهير العرقي والتغيير السكاني القسري.

تركيبة سورية جديدة
قبل الثورة، كانت سوريا تُعرف بتنوعها المذهبي والعرقي، إذ تتألف من أغلبية سنية إلى جانب أقليات علوية، مسيحية، درزية، كردية، إسماعيلية، وشركسية.
غير أن الصراع المسلح سرّع من شروخ طائفية كانت كامنة، فباتت بعض المناطق تُعرف بهويتها المذهبية الصافية تقريبًا، مثل مدينة "القرداحة" مسقط رأس بشار الأسد، والتي أصبح كامل سكانها من الطائفة العلوية.
وعلى سبيل المثال، تراجعت أعداد السنة في بعض المناطق الساحلية والوسطى، فيما ازدادت الكثافة العلوية في هذه المناطق بعد انسحاب جماعي للمدنيين السنة منها.
في المقابل، تعزز الوجود الكردي في مناطق الشمال الشرقي من سوريا، وتطورت طموحات الحكم الذاتي لتلك المناطق بشكل واضح بعد انسحاب القوات النظامية منها في مراحل مبكرة من الصراع.

اقتصاد الحرب وما بعد الأسد
ترافق التغيير الديمغرافي مع تحولات اقتصادية كبرى، فقد أدى نزوح الملايين من القوى العاملة إلى انهيار قطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء والخدمات، ما جعل الاقتصاد السوري يعتمد بشكل متزايد على التحويلات المالية من الخارج، وعلى الدعم الإيراني والروسي، إلى أن انهارت هذه المعادلة بسقوط النظام.
كذلك، تشكّلت طبقة جديدة من أثرياء الحرب، استفاد معظمهم من شبكات النظام وشركات الإعمار وعمليات نقل الملكية التي رافقت التهجير، خصوصاً في ضواحي دمشق كداريا وحرستا.
ومع سقوط النظام، تدخل سوريا مرحلة جديدة لا تقل تعقيداً، إذ تُطرح أسئلة حيوية حول كيفية إعادة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، وإمكانية استعادة النسيج الاجتماعي الذي تمزّق بفعل الحرب، والسياسات الطائفية، والمصالح الخارجية.
