في تصريحات لـ «نيوز رووم»
نور الدين: تقليص زراعة الأرز خطر على الأمن الغذائي والعملة الأجنبية |خاص

في ظل تفاقم أزمة العملة الأجنبية وتزايد الضغوط على الموارد المائية، تجد مصر نفسها أمام معادلة دقيقة تتطلب موازنة بين اعتبارات الأمن الغذائي ومتطلبات الأمن القومي. وجاء إعلان وزارة الموارد المائية والري بتحديد مساحة زراعة الأرز لعام 2025 ليُعيد فتح ملف شائك طالما كان محط جدل بين المزارعين وصانعي القرار. فعلى الرغم من أن الأرز يُوصف في بعض الدوائر بأنه "محصول شره للمياه"، إلا أن حقائقه الاقتصادية والبيئية تُظهر وجهًا مغايرًا تمامًا. فهو ليس فقط غذاءً رئيسيًا للمصريين، بل أيضًا محصول استراتيجي من حيث العائد والإنتاجية، ووسيلة فعّالة لحماية التربة الزراعية من التدهور بفعل ملوحة المياه، خاصة في أراضي شمال ووسط الدلتا.
وفي وقت تعاني فيه الدولة من نقص حاد في الدولار الأمريكي، وارتفاع حاد في أسعار الأرز عالميًا، تبرز تساؤلات جوهرية:هل تقليص مساحات الأرز يُمثل حلاً واقعيًا؟ وهل بالإمكان التضحية بهذا المحصول دون أن ندفع الثمن في صورة تدهور للأراضي، واستنزاف لموارد الدولة في الاستيراد؟
في هذا الصدد، تحدثت "نيوز رووم" مع الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة، وأحد أبرز الخبراء في شؤون الزراعة والأمن المائي، الذي قدّم رؤية متكاملة حول أهمية زراعة الأرز، والآثار المترتبة على تقليص مساحاته، والحلول الممكنة التي يمكن أن توازن بين الحاجة إلى الحفاظ على المياه وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
تقليص مساحة الأرز يهدد الأمن الغذائي المصري
في البداية، قال الدكتور نادر نور الدين، بأن قرار الحكومة بتقليص مساحة زراعة الأرز هذا العام يهدد الأمن الغذائي المصري، ويزيد من الأعباء الاقتصادية في ظل الأزمات العالمية والمحلية المتشابكة.
وأوضح نور الدين في تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم"، أن محصول الأرز يُعد من أنجح المحاصيل من حيث الإنتاجية والعائد الاقتصادي، حيث يبلغ متوسط إنتاجية الفدان الواحد نحو 4 أطنان، في حين لا يتجاوز إنتاج فدان القمح طنًا ونصف، ويصل إنتاج فدان الذرة من 3إلى3.5 أطنان، ما يجعل الأرز الأعلى إنتاجًا وقيمة اقتصادية. وأضاف أن سعر كيلو الأرز يبلغ نحو 30 جنيهًا مقارنة بـ15 جنيهًا فقط للقمح.
الأرز يغسل الأرض
وأشار نور الدين، إلى أن الأرز يُستخدم كذلك كمحصول استصلاح للأراضي، خاصة في شمال ووسط الدلتا، حيث تعاني التربة من ملوحة مرتفعة ناتجة عن تسرب مياه البحر المتوسط. وفي ظل غياب فيضان النيل، أصبح الأرز هو البديل الوحيد القادر على "غسل" هذه الأراضي والحفاظ على خصوبتها، ما يُمكّن المزارعين من زراعة محاصيل أخرى لاحقًا، مثل القمح والبرسيم.
زراعة مليون ونصف فدان يحقق الأكتفاء الذاتي
وأكد أستاذ الموارد المائية والري، أن الاكتفاء الذاتي من الأرز يتطلب زراعة ما لا يقل عن مليون ونصف فدان، محذرًا من أن تقليص المساحة إلى 750 ألف فدان سيؤدي إلى عجز محلي كبير يُقدّر بنحو مليوني طن، ما سيدفع الدولة إلى استيراد هذه الكمية من الخارج، خاصة من الهند، فيتنام، والصين، وهي دول تواجه حاليًا تراجعًا في الفائض التصديري، إلى جانب ارتفاع أسعار الأرز عالميًا.
وأضاف أن أزمة الدولار الحالية ستزيد من صعوبة تغطية احتياجات السوق المحلي من الأرز المستورد، مشيرًا إلى أن الدولة ستضطر إلى إنفاق كميات ضخمة من العملة الصعبة في وقت تعاني فيه من نقص كبير في الاحتياطي النقدي.
وأكد نور الدين، أن التوقيت الحالي يُعد فرصة مثالية لزراعة الأرز، نظرًا لوجود وفرة مائية غير مسبوقة في بحيرة ناصر، بعد قيام إثيوبيا بتصريف كميات كبيرة من المياه استعدادًا للفيضان الجديد في شهري يونيو ويوليو، بالإضافة إلى انخفاض النشاط الزراعي في السودان، ما سمح بزيادة تدفق المياه إلى مصر.
استغلال المياه بدلًا من إهدارها
وأشار أستاذ الموارد المائية، كميات كبيرة من المياه تم صرفها مؤخرًا عبر مفيض توشكى، وأدت إلى غمر أراضٍ زراعية في مناطق طرح النهر، مؤكدًا أن تلك الكميات كان من الممكن استغلالها في زراعة الأرز بدلًا من إهدارها.
وأوضح أن المزارعين في دلتا النيل يعتمدون على زراعة الأرز لتحسين جودة التربة قبل زراعة محاصيل شتوية مثل القمح والبرسيم، التي لا تنمو جيدًا في التربة المالحة، مما يضطر بعضهم إلى زراعة الشعير رغم ضعف جدواه الاقتصادية.
"على الدولة أن تغمض عينيها عن الفلاحين"
أوضح نور الدين، أن الدولة تتعرض إلى ضغوط سياسية من دول مثل إثيوبيا، التي تتهم مصر بهدر المياه في زراعة الأرز وتصدير الموالح، معتبرًا أن هذه اتهامات باطلة لا أساس لها، خاصة أن زراعة الأرز تتركز في أراضي الدلتا المتأثرة بارتفاع الملوحة، وليس في مناطق صحراوية كما تدّعي تلك الدول.
وأضاف،"مصر سبق أن واجهت هذه الاتهامات في مؤتمر ستوكهولم للمياه، وكنت مشاركًا وقتها وأوضحت أن زراعة الأرز جزء من منظومة الحفاظ على خصوبة الأرض، وأن إدارة الموارد المائية مسألة داخلية لا يحق لأي دولة التدخل فيها".
فرصة قومية يجب استثمارها
واختتم الدكتورنادر نورالدين تصريحاته بالدعوة إلى استغلال الظروف المائية الحالية والسماح بزراعة المليون ونصف فدان المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وحماية الأراضي الزراعية، وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية، مطالبًا بإلغاء الغرامات المفروضة على زراعة الأرز التي تبلغ 5000 جنيه للفدان، واعتبار الموسم الزراعي الحالي فرصة قومية يجب استثمارها لصالح الفلاح والاقتصاد الوطني.