عاجل

مصطفى عمارة: تدهور زراعة القطن يهدد مستقبل المحصول التاريخي لمصر | حوار

الدكتور مصطفى عطية
الدكتور مصطفى عطية عمارة

لطالما ارتبط اسم مصر بالقطن طويل التيلة، ذلك الذي شكل لعقود طويلة أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، واحتل مكانة مرموقة في الأسواق العالمية بفضل جودته الفريدة ونعومته التي لا تضاهي.
 

لم يكن القطن مجرد محصول زراعي تقليدي، بل كان رمزا للنهضة الزراعية والصناعية، ومصدرًا لفخر الفلاح المصري، ودعامة أساسية في منظومة الزراعة والتصدير والتشغيل في الريف والمدن على السواء.
 

لكن اليوم، يقف القطن المصري عند مفترق طرق، بعدما شهدت مساحته المزروعة تراجعًا لافتًا خلال العقود الأخيرة. من ملايين الأفدنة المزروعة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إلى بضع مئات الآلاف في العقدين الأخيرين، تآكلت رقعة زراعته تدريجيًا، حتى باتت غير قادرة على تلبية احتياجات الصناعة المحلية، فضلًا عن المنافسة في الأسواق الدولية. 

هذا التراجع لم يكن محض صدفة أو نتيجة ظرف طارئ، بل هو انعكاس لتراكمات طويلة من السياسات الزراعية المرتبكة، وتدهور منظومة التسويق والدعم، وغياب الرؤية المتكاملة للنهوض بالمحصول الذي لطالما لقب بـ "الذهب الأبيض".
 

في ظل تغيرات مناخية متسارعة، وتحديات اقتصادية متزايدة، وسوق عالمي لا يرحم، يطرح تراجع القطن المصري تساؤلات جادة: هل خسرنا الرهان على أحد أهم مواردنا الزراعية؟ وما الذي يلزم لاستعادة مجده؟ وهل من الممكن إعادة إحياء القطن المصري في زمن تُهيمن فيه المنافسة الشرسة والبدائل الأرخص؟
 

أسئلة كثيرة تستدعي مراجعة شاملة، ليس فقط لأسباب التراجع، بل أيضًا لفرص الإنقاذ، في السطور القادمة حوار "نيوز رووم" مع الدكتور مصطفى عطية عمارة، وكيل معهد بحوث القطن، للوقوف على أسباب تراجع المساحات المزروعة، واستشراف مستقبل هذا المحصول الحيوي في ظل التحديات الراهنة.

إلى نص الحوار……………

الموسم بدأ بالتفاؤل وانتهى بالحسرة 
 

 بداية.. كيف كان وضع موسم زراعة القطن في العام الماضي؟

الموسم الماضي بدأ بتفاؤل كبير، حيث وصلت المساحة المزروعة إلى 311 ألف فدان، بزيادة تقدر بنحو 26% عن الموسم الذي سبقه، وكانت هذه الزيادة مدفوعة بسعر ضمان محفز: 1 آلاف جنيه للقنطار في وجه قبلي، و12 ألفًا في وجه بحري. هذا السعر شجع الكثير من الفلاحين على العودة لزراعة القطن.

 إذًا لماذا تحول هذا الموسم المبشر إلى أزمة؟

 المشكلة بدأت مع تأخر وصول البذور في بعض المناطق، ما اضطر الفلاحين إلى الزراعة خارج المواعيد الموصي بها، وهذا أثر بشكل مباشر على جودة المحصول وتوقيت نضجه، ثم جاءت موجات حرارة شديدة ورطوبة مرتفعة في مراحل حرجة من نمو النبات، خاصة خلال التزهير والتلقيح، ما أدى إلى تساقط اللوز وضعف الإنتاجية.

 هل تدخلت وزارة الزراعة لدعم الفلاحين خلال هذه الظروف؟

نعم، أطلقت الوزارة حملات توعية وقوافل إرشادية، وكانت هناك تنبيهات متكررة عبر الإعلام للمزارعين بكيفية التعامل مع موجات الحرارة، ومن التزم بالتوصيات قل عنده الضرر، أما من لم يلتزم تأثر محصوله بشكل واضح.

السعر العالمي أقل من المصري 

بعد تجاوز هذه الصعوبات.. ألم يكن التسويق خطوة ناجحة؟

على العكس، هنا بدأت الأزمة الحقيقية، رغم التزام الدولة بسعر ضمان، فإن السعر العالمي للقطن في وقت التسويق كان أقل من السعر المحلي بفارق يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه، التجار رفضوا الشراء بهذا السعر، وتدخلت الدولة من خلال الشركة القابضة لشراء نحو 800 ألف قنطار من إجمالي الإنتاج.

أليس ذلك تدخلًا إيجابيًا من الدولة؟

نعم من حيث المبدأ، لكنه لم يترجم إلى دعم فعلي للفلاح، لأن المشكلة الأكبر كانت في تأخر صرف مستحقات الفلاحين، فكثير من المزارعين سلّموا المحصول منذ أربعة أو خمسة أشهر ولم يحصلوا على مستحقاتهم حتى الآن، بعضهم كان مهددًا بالسجن لعدم تمكنه من سداد الإيجارات أو القروض.

اقرأ أيضًا: فلوسي فين يا حكومة؟..مزارع قطن: بعت دهب مراتي وليا 142 ألف مش عارف آخدهم

غضب المزارعين

هل هناك تحرك حكومي جاد لحل هذه المشكلة؟

مجلس الوزراء عقد عدة اجتماعات، وأعلن رئيس الوزراء ووزير الزراعة عن تخصيص ثلاثة مليارات جنيه لصرف المستحقات، لكن التنفيذ على الأرض تأخر كثيرًا. كنا نأمل أن يتم الصرف قبل عيد الفطر، ومن بعده عيد القيامة، لكن ذلك لم يحدث، مما زاد من غضب المزارعين.

الفلاحيين: لن نزرع قطن مرة أخرى

ما تأثير هذا الوضع على موسم الزراعة المقبل؟

التأثير خطير، لأن الفلاح فقد الثقة هناك نسبة كبيرة من المزارعين تقول بوضوح: لن نزرع قطنًا مرة أخرى الشديد في سداد المستحقات. نتحدث هنا عن احتمال انخفاض المساحات المزروعة بنسبة تتراوح بين 40 و60%.

نحتاج منظومة عادلة وصرف للمستحقات في مواعيدها 

هل هذا يعني أننا نخسر القطن المصري؟

القطن المصري لا يزال الأفضل عالميًا، لكننا بالفعل نخسر ثقة الفلاح، وإذا استمر هذا الوضع فلن يكون من السهل استعادة المساحات المفقودة، يجب أن ننقذ القطن عبر منظومة عادلة، تبدأ من توفير البذور وتنتهي بصرف المستحقات في مواعيدها. مزال الأمل موجود، لكنه مرهون بإرادة حقيقية وسريعة. القطن المصري ليس مجرد محصول، بل هو جزء من تاريخ هذا البلد واقتصاده. وإذا أردنا الحفاظ عليه، فلا بد من التعامل معه كقضية قومية، وليس كملف زراعي عابر.

تم نسخ الرابط