عاجل

جدال رئاسة الفاتيكان

«ماما الفاتيكان».. هل يمكن أن تترأس النساء الكنيسة الكاثوليكية؟

مقعد بابا الفاتيكان
مقعد بابا الفاتيكان

بعد وفاة بابا الفاتيكان، فرانسيس الثاني، وفي خضم اختيار الخليفة والقائد الأعلى للكنيسة الكاثوليكية، طرحت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، سؤال مهم حول إمكانية ترأس الفاتيكان من قبل النساء؟ 

وفي الواقع، يبقى هذا الجدل قائمًا داخل الكنيسة الكاثوليكية، حيث يتمسك البعض بالتقليد الراسخ الذي يقصر الكهنوت على الرجال، بينما يدعو آخرون إلى قراءة جديدة للنصوص الدينية تتماشى مع مفهوم المساواة والعدالة بين الجنسين في العصر الحديث.

 

«ماما الفاتيكان» هل السيناريو مطروح على الطاولة؟

أوضحت الشبكة البريطانية، أنه من الناحية النظرية، يمكن لأي رجل كاثوليكي روماني قد نال سر المعمودية أن يُنتخب لمنصب البابا، إذ لا يشترط القانون الكنسي أن يكون المرشح بابا من بين الكرادلة أو حتى من بين الأساقفة. إلا أن العُرف والتقاليد المتبعة منذ قرون تشير إلى أن انتخاب البابا يتم عادة من بين أعضاء مجمع الكرادلة.

والكرادلة هم رجال ذوو خبرة واسعة في شؤون الكنيسة ويحملون مناصب قيادية فيها، ولهذا السبب، وعلى الرغم من الانفتاح النظري، فإن الفرص الحقيقية تكون محصورة في دائرة ضيقة من رجال الدين الكاثوليك المرتقين إلى درجات عليا.

<span style=
«ماما الفاتيكان» هل السيناريو مطروح على الطاولة؟

ومن الأمور التي تكرس هذا الواقع أن الكنيسة الكاثوليكية لا تسمح بسيامة النساء ككهنة. أي أن النساء لا يمكنهن أن يُرسمن كاهنات، وهو ما يعني استبعادهن تلقائيًا من تسلم أي مناصب كنسية تتطلب الكهنوت، بما في ذلك منصب البابا. 

وهذه القاعدة مبنية على فهم تقليدي لتاريخ الكنيسة وتعاليمها، حيث يُستند إلى أن يسوع المسيح اختار اثني عشر تلميذًا ليكونوا رسله، وجميعهم كانوا من الرجال. ويُستنتج من هذا أن القيادة الكنسية يجب أن تظل في يد الرجال، باعتبارهم الامتداد الطبيعي لتلاميذ المسيح الأولين.

ومع ذلك، لم تخلُ الساحة اللاهوتية والفكرية من أصوات معارضة لهذه النظرة التقليدية، إذ طُرحت حجج ومطالبات تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة في ممارسة الأدوار الكنسية، بما في ذلك الكهنوت. 

ويستند المدافعون عن هذا الاتجاه إلى نصوص من الكتاب المقدس وتعاليم مسيحية تُبرز المساواة الجوهرية بين الرجل والمرأة. فبحسب سفر التكوين، خُلق الإنسان – ذكرًا وأنثى – على صورة الله ومثاله، مما يعني أن كليهما يتمتعان بكرامة متساوية وقدرة روحية متكافئة. 

وبالتالي، يرى هؤلاء أن هذه المساواة يجب أن تنعكس في بنية الكنيسة، وألا يُحرم أحد من الخدمة الكهنوتية لمجرد اختلاف الجنس.

<span style=
«ماما الفاتيكان» هل السيناريو مطروح على الطاولة؟

هل يمكن ترأس النساء للكنيسة الكاثوليكية؟

منذ قرون يشغل منصب البابا في الفاتيكان رجل، يُنتخب من بين الكرادلة الكاثوليك ليكون قائدًا أعلى للكنيسة الكاثوليكية حول العالم، وهذا التقليد لم يتغير على مدى ما يزيد عن ألفي عام، ومع ذلك يطرح سؤال: هل يمكن لامرأة أن تترأس الفاتيكان؟ 

وهو سؤال يحمل في طياته بعدًا لاهوتيًا واجتماعيًا عميقًا، ويعكس جدلًا مستمرًا حول دور المرأة في الكنيسة الكاثوليكية.

الإجابة المباشرة في السياق الكنسي الحالي هي لا، فالمرأة لا يمكنها أن تصبح بابا لأن البابا يجب أن يكون أولًا كاهنًا في الكنيسة الكاثوليكية، والكهنوت محصور بالرجال فقط وفقًا لتعليمات الكنيسة، حيث ترى أن المسيح عندما أسس الكنيسة اختار اثني عشر تلميذًا من الرجال ليكونوا نواة القيادة.

ولذلك فإن الكهنوت، بحسب هذا الفهم، هو امتداد لهذا الاختيار الإلهي، وقد أكد البابا يوحنا بولس الثاني عام 1994 في رسالته الرسولية "Ordinatio Sacerdotalis" أن الكنيسة لا تملك السلطة بمنح سر الكهنوت للنساء، معتبرًا أن هذا القرار نهائي ولا مجال لتعديله.

ولكن رغم هذا الحسم الظاهري فإن النقاش حول دور المرأة في الكنيسة لا يزال قائمًا، وقد تعالت في السنوات الأخيرة أصوات نسائية ورجالية من داخل الكنيسة وخارجها تطالب بإعادة النظر في هذا التمييز، إذ ترى أن حرمان النساء من الكهنوت هو نوع من الإقصاء القائم على أساس الجنس، وليس على أساس لاهوتي حقيقي.

كما تشير أن المرأة في المسيحية الأولى لعبت أدوارًا محورية في نشر الدعوة وقيادة المجتمعات، وتستشهد هذه الأصوات بشخصيات مثل مريم المجدلية التي كانت من أوائل من بشر بقيامة المسيح، كما تُسلط الضوء على النساء اللواتي ساهمن في خدمة الكنيسة لقرون طويلة دون أن يُمنحن أي سلطة كنسية رسمية.

<span style=
«ماما الفاتيكان» هل السيناريو مطروح على الطاولة؟

من جانبه أبدى البابا فرنسيس انفتاحًا نسبيًا تجاه هذا الملف دون أن يذهب إلى حد تبني فكرة رسامة النساء كاهنات، فقد شكل أكثر من لجنة لدراسة دور النساء في الكنيسة الأولى، لا سيما ما يتعلق بمنصب "الشمّاسات"، وهو دور كانت تقوم به النساء في العصور الأولى وكان يحمل بعض المهام الطقسية والخدمية، ورغم أن هذه الدراسات لم تؤدِّ إلى قرارات تنفيذية حتى الآن، إلا أنها تعكس إدراكًا متزايدًا بالحاجة إلى تعزيز مشاركة النساء في الحياة الكنسية.

الجدير بالذكر أنه لا يوجد نص قانوني في قوانين الفاتيكان يمنع صراحة انتخاب امرأة بابا، لكن العُرف والواقع اللاهوتي والمؤسساتي يجعل ذلك مستحيلًا في الوقت الراهن، لأن مجمع الكرادلة – وهم وحدهم من يملكون حق انتخاب البابا – يتكون من رجال فقط وهم أيضًا مرسومون ككهنة وأساقفة، وبالتالي لا يمكن لامرأة أن تدخل في هذه الدائرة من الأصل، مما يغلق الباب أمام فكرة انتخابها للمنصب الأعلى في الكنيسة.

ومع تصاعد الحركات النسوية الكاثوليكية، مثل "رومان كاثوليك للعدالة" و"النساء الكاثوليك من أجل الكهنوت"، وتزايد الحوارات اللاهوتية في أوساط جامعية وفكرية كاثوليكية حول تفسير النصوص وتأويل التقاليد، يبدو أن هذا السؤال لن يختفي قريبًا، وإن لم يكن مطروحًا على أجندة التغيير المؤسسي في الفاتيكان اليوم، إلا أن مجرد طرحه يعكس تغيرًا في وعي المؤمنين الكاثوليك بشأن مفهوم القيادة الروحية ودور المرأة في الكنيسة.

تم نسخ الرابط