هل يمكن لـ التكنولوجيا أن تقي كبار السن من الخرف؟ دراسة تكشف

في ظل تزايد القلق حول تأثير التكنولوجيا على الصحة العامة، تكشف دراسة جديدة عن فوائد غير متوقعة للاستخدام المعتدل للتكنولوجيا بين كبار السن، فقد أظهرت الأبحاث أن التفاعل مع الأجهزة الذكية والتكنولوجيا يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالخرف، وهو اكتشاف قد يغير الطريقة التي نرى بها دور التكنولوجيا في حياتنا اليومية.
العلاقة بين التكنولوجيا والخرف
أجرى باحثون أمريكيون دراسة موسعة تحلل بيانات أكثر من 411,000 شخص فوق سن الخمسين، الدراسة اعتمدت على تحليل نتائج 57 دراسة سابقة، واختبرت العلاقة بين استخدام التكنولوجيا ومخاطر الإصابة بالخرف والضعف الإدراكي.
وفقًا لنتائج الدراسة التي نُشرت في موقع “Science Alert”، تبين أن استخدام التكنولوجيا يرتبط بانخفاض كبير في خطر الإصابة بالخرف.

انخفاض بنسبة 58%
أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا بشكل مستمر هم أقل عرضة للإصابة بالضعف الإدراكي بنسبة تصل إلى 58%، وما يميز هذه النتيجة هو أنها بقيت ثابتة حتى بعد تعديل العوامل التي قد تؤثر على هذه العلاقة مثل المستوى التعليمي والمهنة والوضع الاجتماعي والاقتصادي.
هل التكنولوجيا ضارة أم مفيدة؟
تعتبر هذه النتائج بمثابة ردّ على التحذيرات التي يطلقها بعض الخبراء بشأن التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على الصحة العقلية، حيث يُحذر الكثيرون من الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية، مشيرين إلى ما يُعرف بمصطلح “تعفن الدماغ” الذي يصف التدهور العقلي الناجم عن الاستهلاك المفرط للتكنولوجيا، لكن وفقًا للدكتور مايكل سكولين، عالم النفس والأعصاب في جامعة بايلور، الذي شارك في الدراسة، فإن التكنولوجيا ليست ضارة في جميع الحالات.
ويضيف سكولين: “بصفتنا باحثين، أردنا اختبار صحة هذه التحذيرات، لكننا وجدنا أن الاستخدام المعتدل للتكنولوجيا يمكن أن يكون مفيدًا، خاصة لكبار السن، في تحفيز الدماغ وتحسين أدائه”.
التكنولوجيا وتعزيز الصحة الإدراكية لكبار السن
ويشير الباحثون إلى أن تفاعل كبار السن مع التكنولوجيا ليس مجرد مسألة ترفيه، بل يمكن أن يكون وسيلة لتحفيز الدماغ والحفاظ على النشاط العقلي، الدكتور غاريد بينغ، اختصاصي علم النفس العصبي في جامعة تكساس في أوستن، أكد أن نتائج الدراسة تشير إلى أن تشجيع كبار السن على استخدام التكنولوجيا بشكل منتظم قد يكون نهجًا فعّالًا في تعزيز صحتهم الإدراكية.
ويضيف بينغ: “إن استخدام التكنولوجيا لا يقتصر على التسلية أو التواصل الاجتماعي فحسب، بل يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على وظائف الدماغ، مما يساعد في الوقاية من التدهور العقلي”.
كيف تساهم التكنولوجيا في تحفيز الدماغ؟
رغم أن هذه الدراسة لم تثبت علاقة سببية مباشرة، إلا أن الباحثين يرون أن استخدام التكنولوجيا يساعد في تحفيز الدماغ من خلال العديد من الأنشطة، تعلم كيفية استخدام التطبيقات الجديدة، التعامل مع الأجهزة المختلفة، ومواكبة التطورات التقنية يمكن أن يسهم في إبقاء الدماغ نشطًا، هذا التحفيز العقلي المستمر يساعد في تأخير أو تقليل خطر التدهور المعرفي.

ومن جهة أخرى، تتيح التكنولوجيا لكبار السن البقاء على اتصال مع أصدقائهم وأفراد عائلاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المكالمات الصوتية والفيديو، وهذا التواصل الاجتماعي المستمر يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تقليل مشاعر العزلة التي قد تكون عاملاً رئيسيًا في تدهور الصحة العقلية.
تذكير بالأدوية والمواعيد الطبية
من جهة أخرى، يمكن للتطبيقات المخصصة لكبار السن أن توفر أدوات عملية للحفاظ على صحة أفضل، فالتطبيقات التي تذكرهم بمواعيد الأدوية، المواعيد الطبية، والفحوصات الدورية تساعدهم في تنظيم حياتهم بشكل أكثر كفاءة، مما يعزز قدرتهم على الحفاظ على صحة جيدة وذهن حاد.
دور التكنولوجيا في تحسين صحة كبار السن
من خلال هذه الدراسة، يظهر جليًا أن التكنولوجيا قد تلعب دورًا مهمًا في تحسين الصحة الإدراكية لكبار السن، وتقليل خطر الإصابة بالخرف.
مع تقدم العمر، تصبح الحاجة إلى التحفيز العقلي والتواصل الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى، والتكنولوجيا، إذا استخدمت بشكل معتدل، قد تكون أداة قوية في الحفاظ على صحة الدماغ والتقليل من تأثيرات التدهور العقلي المرتبط بالعمر.
في النهاية، تبقى التكنولوجيا أداة بيدنا، وفي حال استخدامها بحذر ووعي، يمكن أن تسهم في تعزيز جودة حياة كبار السن، وتحسين صحتهم العقلية في سنواتهم المتقدمة.