عاجل

دراسة تكشف كيف يختلف تأثير ألزهايمر على الرجال والنساء في التشخيص والعلاج

الزهايمر
الزهايمر

في تطور علمي لافت قد يغيّر من الطريقة التي نفهم بها أحد أخطر الأمراض العصبية في العصر الحديث، كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Reviews Neurology، وقادتها مؤسسة Women’s Brain Foundation، عن أن داء ألزهايمر لا يصيب الرجال والنساء بذات الكيفية، لا على مستوى الأعراض، ولا في طرق التشخيص، ولا حتى في الاستجابة للعلاج. هذه الفروقات العميقة لم تكن على الدوام موضع تركيز من قبل المؤسسات الطبية والبحثية، وهو ما يُثير تساؤلات حاسمة حول مدى عدالة النظام الصحي الحالي في تعامله مع الفروق البيولوجية والاجتماعية بين الجنسين.


المرأة.. الحلقة الأضعف في المعادلة الطبية 

تشير الإحصائيات إلى أن النساء يشكلن قرابة 70% من إجمالي المصابين بمرض ألزهايمر حول العالم، وهو رقم يُعد صادمًا في ظاهره، لكنه لم يكن كافيًا لتحفيز مراكز الأبحاث والجامعات نحو تخصيص دراسات معمقة تستند إلى النوع الاجتماعي. والأمر لا يتوقف عند ألزهايمر فقط، بل يتعداه إلى أمراض أخرى مثل التصلب المتعدد، الذي يصيب النساء بنسبة أربعة أضعاف مقارنة بالرجال، فضلًا عن ارتفاع معدلات إصابتهن بالصداع النصفي، والاكتئاب، والقلق.

ورغم هذه المؤشرات، لا تزال المنظومة الطبية تتبنى "النموذج الذكوري" في إجراء التجارب السريرية، وفي تصميم العلاجات، وكأن المرأة نسخة مصغرة من الرجل لا تختلف عنه بيولوجيًا إلا في المظهر الخارجي، وهو تصوّر غير دقيق، بل وخطر على جودة الرعاية الصحية التي تتلقاها النساء.


 النساء يظهرن الذهان.. والرجال يعانون اللامبالاة

أحد أبرز ما سلّطت عليه الدراسة الضوء هو أن ألزهايمر لا يُعبّر عن نفسه بنفس الطريقة لدى النساء والرجال. فبينما تميل النساء إلى إظهار أعراض نفسية معقدة مثل الاكتئاب، الهلاوس، والذهان، فإن الرجال غالبًا ما تظهر عليهم علامات أكثر خفاءً مثل اللامبالاة وفقدان الدافع.

تكمن الخطورة هنا في أن هذه الفروقات غالبًا ما تُساء قراءتها من قبل الأطباء، خصوصًا في المراحل المبكرة من المرض. إذ تُفسَّر الأعراض النفسية عند النساء على أنها اضطرابات نفسية معزولة كالاكتئاب أو القلق، مما يؤدي إلى تأخير التشخيص الدقيق لألزهايمر، وبالتالي ضياع فرصة التدخل المبكر، الذي يُعد حاسمًا في إبطاء تقدم المرض.

حاجز غير مرئي في تجارب العلاج

لا تقف الفروقات عند حدود التشخيص، بل تمتد إلى مرحلة العلاج أيضًا. فقد كشفت الدراسة عن أن النساء غالبًا ما يُستبعدن من التجارب السريرية للعلاجات الجديدة، لا سيما العلاجات المناعية، وذلك لأسباب تتعلق بالعمر أو وجود أمراض مصاحبة مزمنة.

كما أن المعرفة الطبية حول تأثير العلاجات الهرمونية، مثل العلاج بهرمون الإستروجين أو العلاج التعويضي بعد انقطاع الطمث (HRT)، على مسار ألزهايمر لا تزال قاصرة، مما يجعل الكثير من الأطباء يحجمون عن استخدامها، رغم أن الأبحاث الأولية تشير إلى دور محوري لهذه الهرمونات في حماية الدماغ من التدهور.


تجاهل الفروقات بين الجنسين

تصف الدراسة هذا التجاهل المستمر للفروقات بين الجنسين في أبحاث ألزهايمر بـ"الفشل العلمي" و"الإهمال المنهجي"، حيث يتم التعامل مع المرض وكأنما هو ظاهرة بيولوجية واحدة لا تتأثر بنوع المريض. إلا أن الواقع، كما تثبته البيانات، يُظهر عكس ذلك تمامًا.

لذا يدعو الباحثون إلى تبني مقاربة جديدة تُعرف باسم "الطب الدقيق القائم على النوع الاجتماعي"، وهي مقاربة تسعى إلى تصميم التشخيصات والعلاجات بناءً على فهم دقيق للفروقات البيولوجية والنفسية والاجتماعية بين الذكور والإناث، بما يضمن نتائج علاجية أكثر دقة وعدالة

نحو مستقبل طبي أكثر إنصافًا

هذه الدراسة لا تكتفي بتشخيص الخلل، بل تسعى إلى إعادة تعريف طريقة تعامل المجتمع العلمي مع الأمراض العصبية، عبر إدماج متغير الجنس في كل مراحل البحث، من تصميم الدراسات إلى تحليل البيانات، مرورًا بالتوصيات العلاجية.

إن الدعوة التي تطلقها هذه الدراسة هي بمثابة نداء لضمير العلم: لا يمكن الحديث عن تقدم طبي حقيقي، دون مراعاة التنوّع البيولوجي والنفسي بين البشر. وفي عصر يزداد فيه وعي المجتمعات بضرورة الإنصاف، حان الوقت لأن تنعكس هذه القيم في مختبراتنا، وسياساتنا الصحية، ونظرتنا للمرضى كأفراد لا كأرقام موحدة.

تم نسخ الرابط