تاريخ تحنيط الباباوات
«تحنيط البابا فرنسيس».. كيف يجهز الجثمان للبقاء 3 أيام دون تحلل؟

توفي اليوم البابا فرانسيس، أول بابا من أمريكا اللاتينية، عن عمر ناهز 88 عامًا. وبينما تستعد أعلى سلطات الكنيسة الكاثوليكية لاجتماع قريب لاختيار خليفته، يركز الفاتيكان الآن على مسألة أكثر إلحاحًا: تجهيز جثمان البابا الراحل.
نظرًا لاستمرار الطقس الدافئ والرطب في العاصمة الإيطالية روما، فمن الضروري تحنيط الجثمان بسرعة لتفادي التحلل السريع.
خطوات «تحنيط البابا فرانسيس»
تشمل عملية التحنيط فتح الأوردة في رقبة البابا وضخ خليط خاص يتكون غالبًا من "الأصباغ والكحول والماء والفورمالديهايد".
ويشبه الأمر عملية نقل الدم، حيث يعمل هذا السائل على غسل الدورة الدموية وطرد الدم المجمد الذي قد يتسبب في تسريع التحلل. والفورمالديهايد في هذا الخليط يقضي على أي بكتيريا متبقية، كما يقوم بربط البروتينات داخل خلايا الجسم لمنع الإنزيمات من تفكيكها.
وهذا التحنيط يسمح ببقاء الجثمان في حالة جيدة لمدة ثلاثة أيام، حتى يتمكن المصلون من توديعه دون أن تظهر عليه علامات واضحة للتحلل.

تحنيط جثامين الباباوات في الماضي
في الماضي، كانت جثامين الباباوات تحضر بطرق تقليدية، مثل إزالة الأعضاء الداخلية وفرك الجلد بالأعشاب والزيوت.
كان من المعتاد أيضًا غسل الجثمان بسوائل خاصة لتجفيفه، ثم حشو فتحاته القابلة لتسريب السوائل بالأعشاب والقطن والشمع، لتجنب تسرب الروائح الكريهة أثناء التشييع. لكن منذ القرن العشرين، بدأ الفاتيكان بالاعتماد على طرق حديثة أكثر تشابهًا مع تقنيات التحنيط المستخدمة من قبل متعهدي الدفن.
ووفقًا للدكتور نيكولا توموف، وهو أستاذ تشريح بجامعة برن، فإن أول بابا تم تحنيطه بطريقة حديثة كان البابا بيوس الذي توفي عام 1914. وعندما فُتحت جثته لاحقًا، تبين أنها تحولت إلى اللون البني بسبب المواد الكيميائية، رغم أنه أوصى بعدم تحنيطه.

الفشل الكبير في تحنيط البابا بيوس الثاني
الممارسات الحديثة أصبحت ضرورية بعد الفشل الكبير في تحنيط البابا بيوس الثاني عشر عام 1958.
فالطبيب المسؤول حينها، ريكاردو غاليازي- ليزي، ظن أنه اكتشف طريقة حفظ جسد المسيح، فاستخدم كيسًا بلاستيكيًا مع خليط من الأعشاب والزيوت والراتنجات، دون تبريد أو تصريف للسوائل.
ولكن هذه الطريقة أدت إلى تعفن الجثة بسرعة، ما أجبر الحرس السويسري على تغيير مكان الجثمان كل 15 دقيقة بسبب الرائحة الكريهة. ومنذ ذلك الحين، يتم تجهيز جثامين الباباوات وفق طرق التحنيط التقليدية الحديثة.
تحنيط الجثامين بالطرق الحديثة
تبدأ العملية بغسل الجثمان جيدًا للتخلص من أي بكتيريا خارجية. وبعد ذلك، تُجرى خطوات تجميلية مثل إغلاق العينين باستخدام أغطية بلاستيكية وتثبيت الفك.
في الخطوة الثانية، يتم فتح شق صغير فوق عظمة الترقوة لاستخراج الشريان السباتي والوريد الوداجي. ويضخ سائل التحنيط من خلال الشريان السباتي، فيما يُطرد الدم عبر الوريد الوداجي.
عادةً ما يحتوي سائل التحنيط على الفورمالديهايد والكحول، بالإضافة إلى أصباغ تعيد لون البشرة إلى مظهرها الطبيعي.

وبعد ذلك، يُستخدم جهاز شفط يشبه الإبرة لإفراغ السوائل ومحتويات الأمعاء من البطن، ويُحقن المزيد من سائل التحنيط في الداخل. وهذه الخطوة مهمة لأنها تمنع نمو الميكروبات وتحافظ على الجثمان من الداخل.
ومن الجدير بالذكر أن إزالة الأعضاء لم تعد تُجرى منذ وفاة البابا ليون الثالث عشر عام 1903. وبعد الانتهاء من التحنيط، يُغسل الجثمان مجددًا ويُلبس بثياب مناسبة ويُحضر للعرض.
باباوات آخرين حنطت أجسادهم بالطرق الحديثة
ماسيمو سينوراتشي، الذي تعمل عائلته في تحنيط الباباوات منذ زمن البابا يوحنا الثالث عشر، يوضح أن هذه هي الطريقة التي اُتبعت مع معظم الباباوات المعاصرين.
على سبيل المثال، تم تحنيط جثمان البابا يوحنا الثالث والعشرين باستخدام 10 لترات من خليط يحتوي على الكحول الإيثيلي والفورمالين وكبريتات الصوديوم ونترات البوتاسيوم، وهي مادة تُستخدم عادةً في حفظ لحم الخنزير المقدد.
وقد صرح سينوراتشي في مقابلة عام 2005 بأن جثمان البابا يوحنا الثالث والعشرين بدا بعد 37 عامًا وكأنه تُوفي بالأمس. ومع ذلك، لم يتم تحنيط بعض الباباوات مؤخرًا. فمثلًا، لم يُحنط البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005، بل اكتفى الفاتيكان بـ "تحضيره" للدفن دون تحنيط.

حتى الآن، لم يُعلن بعد عن الطريقة التي سيُعامل بها جثمان البابا فرانسيس، لكن من المعروف أنه قام بخطوات لتبسيط طقوس جنازته. فبدلًا من استخدام ثلاثة توابيت تقليدية (بينها واحد من الرصاص)، أوصى بأن يُدفن في تابوت خشبي واحد مبطن بالزنك.
كذلك، ألغى البابا فرانسيس تقليد عرض الجثمان على منصة مرتفعة داخل كاتدرائية القديس بطرس. وبدلًا من ذلك، سيُوضع جثمانه داخل نعش يُبقى مفتوحًا حتى الليلة التي تسبق الجنازة.
وفي خطوة فريدة من نوعها، سيكون البابا فرانسيس أول بابا يُدفن خارج الفاتيكان منذ أكثر من قرن. إذ كشف في نهاية عام 2023 أنه أعد قبره في كاتدرائية سانتا ماريا ماجوري في حي إسكويلينو في روما.
وهي واحدة من الكنائس البابوية الأربع الكبرى. وقد دُفن فيها من قبل سبعة باباوات، من البابا هونوريوس الثالث عام 1216 إلى كليمنت التاسع عام 1669.