فرنسا تحظر سفر مواطنيها إلى إيران وسط تصاعد التوترات واحتجاز رهائن

في تصعيد لافت في العلاقات بين باريس وطهران، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية فرض حظر كامل على سفر المواطنين الفرنسيين إلى إيران "مهما كانت الأسباب"، محذّرة من تدهور خطير في الوضع الأمني داخل البلاد، لاسيما في ظل استمرار السلطات الإيرانية في احتجاز ثلاثة فرنسيين منذ عام 2022، بتهم تعتبرها باريس "ذات دوافع سياسية".
القرار الفرنسي جاء بعد عشرة أيام من التحذير العلني الذي وجّهه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، داعيًا الفرنسيين إلى “مغادرة إيران فورًا”، مشددًا على أن خطر الاعتقال التعسفي والاختطاف أصبح مرتفعًا للغاية.
وأضاف بارو: “لم تعد زيارة إيران آمنة، ومغادرتها أصبحت ضرورة حيوية لحماية مواطنينا”.
ورغم التحذيرات المتكررة خلال الأشهر الماضية، فإن السلطات الفرنسية لم تكشف حتى الآن عن عدد مواطنيها الذين لا يزالون داخل الأراضي الإيرانية، في حين تؤكد المصادر الحكومية أن أي رحلة غير ضرورية إلى طهران تشكل تهديدًا مباشرًا على السلامة الشخصية للمواطنين الفرنسيين.
فرنسيون محتجزون
وتعتقل إيران، منذ مايو 2022، كلاً من سيسيل كوهلر، وهي موظفة سابقة في قطاع التعليم، وشريكها جاك باري، بتهمة “التجسس والعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية”، وهي التهم التي تنفيها عائلاتهما بشكل قاطع، وتعتبرها باريس جزءًا من حملة “احتجاز رهائن” تمارسها طهران للضغط السياسي.
كما يُحتجز مواطن ثالث يُدعى أوليفييه، وسط غموض كبير يلفّ قضيته، ولم يُكشف عن اسمه الكامل حتى الآن.
وأكدت مصادر دبلوماسية فرنسية أن السلطات الإيرانية لم تسمح بزيارة قنصلية لأي من المعتقلين منذ أكثر من عام، وهو ما اعتبرته باريس انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقيات فيينا، وسط اتجاه متزايد داخل الحكومة الفرنسية للجوء إلى محكمة العدل الدولية لتحريك دعوى ضد إيران بشأن ملف المحتجزين.

توتر في الأجواء
بالتوازي مع تصاعد الأزمة، ألغت الحكومة الفرنسية في يناير الماضي الرحلة الجوية المباشرة الوحيدة بين باريس وطهران، وهو القرار الذي وصفته وزيرة الطرق والتنمية الحضرية الإيرانية فرزانه صادق بأنه “إجراء أحادي” غير مبرر، يعكس التدهور المستمر في العلاقات بين البلدين.
يأتي القرار الفرنسي في سياق أوسع من التوترات المتصاعدة بين إيران والعواصم الغربية، خاصة بعد أن أدرج الاتحاد الأوروبي شركة الطيران الوطنية الإيرانية “إيران إير” في قائمة العقوبات في أكتوبر الماضي، على خلفية تورط طهران في تزويد موسكو بطائرات مسيرة وصواريخ استخدمت في الحرب ضد أوكرانيا.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا مثيرًا يكشف عن خطط إسرائيلية سرية لتوجيه ضربة عسكرية وشيكة لإيران، بموافقة مبدئية من الولايات المتحدة.
وأفادت الصحيفة بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدخّل مؤخرًا لوقف هذه الخطط، مفضّلًا إعطاء فرصة للوساطات الدبلوماسية بهدف التفاوض مجددًا مع طهران على اتفاق نووي جديد يحد من قدراتها العسكرية.
وبحسب التقرير، كانت إسرائيل تعتزم استهداف منشآت نووية إيرانية خلال مايو المقبل، بالتنسيق مع واشنطن، في محاولة لعرقلة برنامج طهران النووي لعام كامل على الأقل.
في ضوء التطورات المتلاحقة، بات واضحًا أن العلاقات الفرنسية-الإيرانية تمر بواحدة من أسوأ مراحلها منذ عقود، وسط اتهامات متبادلة وغياب قنوات الحوار الفعالة.
ويبدو أن ملف المحتجزين الفرنسيين قد يكون الشرارة التي تدفع باريس لإعادة رسم سياستها تجاه إيران، وربما للدفع بملفها إلى المنابر الدولية، ما يهدد بإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط.