لماذا خلقنا الله؟.. تفسير آية " ليعبدون " يكشف الغاية من الوجود

يتساءل كثير من الناس عن الغاية من خلق الإنسان: لماذا خلقنا الله؟ ما الهدف من حياتنا في هذه الدنيا؟ تأتي الإجابة صريحة من القرآن الكريم، في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

هذا التقرير يسلط الضوء على تفسير هذه الآية المباركة، ويفصل في معنى "العبادة"، ويكشف كيف أن العمل وطلب الرزق من صور العبادة، وذلك بالاستناد إلى أقوال العلماء وفتاوى دار الإفتاء المصرية، وتوضيحات فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية السابق.

الغاية من خلق الإنسان: عبادة الله وحده

أوضح الإمام الثعالبي في تفسيره "الجواهر الحسان" أن المراد من الآية هو أن الله تعالى خلق الجن والإنس ليأمرهم بعبادته، ويقرّوا له بالعبودية. وبيّن الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" أن الله خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فهو خالقهم ورازقهم، وهم فقراء إليه في كل حال.

وأكد الدكتور شوقي علام، في فتوى لدار الإفتاء المصرية، أن المسلم ينبغي أن يكون في عبادة دائمة لله في جميع شؤونه، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، مشيرًا إلى أن هذه العبادة لا تقتصر على الصلاة والصيام فقط، بل تشمل كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله.

هل العمل وطلب الرزق من العبادة؟

نعم، العبادة في الإسلام تشمل كل فعل وقول ونية يُراد بها رضا الله؛ فالسعي على الرزق، وتعمير الأرض، وخدمة الناس، كلها تُعد من العبادات إذا قصد بها المسلم وجه الله.

وقد أورد الشيخ ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين" أن العبادة الحقيقية تقوم على أربع مراتب: قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح. ومن أعمال الجوارح التي تُحتسب عبادة: السعي في طلب الرزق، الجهاد، ومساعدة الآخرين.

وفي هذا السياق، يستشهد الدكتور شوقي علام بقول الله تعالى:﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك: 15]
حيث يوضح أن الله حث عباده على السعي والجد والعمل، فالأرض مذللة ومهيأة للإنسان ليستخرج منها الخير.

عبادة عظيمة يعقبها طلب المغفرة.. لماذا نستغفر بعد الصلاة؟

من أدار ظهره للعبادة.. عاش في شقاء

جاء في الحديث القدسي الذي رواه الترمذي أن الله تعالى يقول:«يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ».

ويشرح الإمام المظهري هذا الحديث مبينًا أن من أعرض عن عبادة الله وانشغل بالدنيا وحدها، لم ينل السعادة الحقيقية، بل سيظل مشغول البال ومفتقرًا للراحة والطمأنينة.

العبادة مفهوم شامل لحياة الإنسان

خلاصة ما تقدم أن الله سبحانه وتعالى خلقنا لعبادته، وهذه العبادة تشمل كل نية وعمل صالح يُراد به وجه الله، سواء في الصلاة، أو العمل، أو طلب الرزق، أو خدمة الآخرين.

وقد وضحت دار الإفتاء المصرية في فتاواها، وخاصة على لسان مفتي الجمهورية السابق الدكتور شوقي علام، أن مفهوم العبادة في الإسلام أوسع بكثير من المفهوم التقليدي الضيق، وهو يشمل الحياة كلها متى ما اقترنت النية بالإخلاص لله.