خالد الجندي: الانفتاح على الشرائع السابقة في ميزان الإسلام «فيديو»

في ظل التحديات المعرفية التي تطرأ في عالمنا المعاصر، حيث تتقاطع الحضارات وتتنوع المرجعيات الدينية والفكرية، شدد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، على أهمية أن تظل الأمة الإسلامية منفتحة على التراث الإنساني والشرائع السابقة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالثوابت الشرعية في الإسلام.
جاءت تصريحات الجندي خلال حلقة من برنامجه "لعلهم يفقهون" على قناة "DMC"، حيث تناول موضوع "شرع من قبلنا" بقراءة علمية وواقعية، متناولًا الجوانب التي تميز بين ما يمكن أن يستفيد منه المسلمون من الشرائع السابقة، وما لا يتوافق مع شريعتهم. وطرح الجندي سؤالًا طالما شغل العلماء: هل يُعد شرع الأمم السابقة ملزمًا للمسلمين؟ وأجاب بالقول إن "الرأي الراجح بين جمهور العلماء هو أن شرع من قبلنا شرعٌ لنا إذا وافق شرعنا ولم يخالف نصًا تعبديًا واضحًا".
هل هو ملزم للمسلمين؟
طرح الجندي في بداية حديثه قضية خلافية طالما شغلت العلماء وهي: هل يُعد شرع الأمم السابقة ملزمًا لنا؟ وأوضح أن هذه المسألة خضعت لاجتهادات متعددة، غير أن الرأي الراجح بين جمهور العلماء هو أن "شرع من قبلنا شرعٌ لنا، إذا وافق شرعنا ولم يخالف نصًا تعبديًا واضحًا".
ولم يكتفِ الجندي بطرح الرأي، بل دعمه بأمثلة قرآنية وتاريخية، لافتًا إلى أن التمييز بين الأمور التعبدية والأخلاقية أمر أساسي لفهم حدود هذا التداخل. وقال إن "الشرائع قد تتوافق في المبادئ العامة لكنها تختلف في التفاصيل التشريعية، خاصة في مسائل العبادات".
نموذج للفروق التعبدية
ومن أبرز الأمثلة التي استشهد بها الجندي، قصة السيدة مريم -عليها السلام- التي ورد في القرآن قولها: "إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا". وعلّق قائلاً: "هل يجوز لنا الآن أن نصوم عن الكلام كما فعلت مريم؟ لا طبعًا، لأن هذا النوع من الصيام لم يُشرع في الإسلام، بل خُصّت به شريعة سابقة وتم نسخها في شريعتنا".
وشدد على أن الأحكام التعبدية في الإسلام لها خصوصية مستمدة من الوحي الإلهي المنزل على النبي محمد ﷺ، ومن ثم لا مجال للاجتهاد أو الاستلهام من شرائع أخرى فيها، أما في فضائل الأخلاق أو الأمور العامة، فقد يُستفاد منها إذا لم تتعارض مع أحكام الشريعة.
موقف الإسلام من الحضارات
أكد الجندي أن الإسلام لا يدعو إلى الانعزال أو القطيعة مع الحضارات الأخرى، بل يدعو إلى الاستفادة منها طالما أن هذه الاستفادة لا تتعارض مع النصوص الشرعية. وقال: "النبي ﷺ قال: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وكان يحب أن يوافق أهل الكتاب إذا لم يُؤمر بخلاف ذلك"، مشيرًا إلى أن هذا الانفتاح محسوب ومنضبط.
وأوضح أن الحديث عن بني إسرائيل أو الاستفادة من تراثهم ليس من باب التقليد، وإنما من باب الاطلاع والمعرفة واستخلاص العِبر، خاصة في الجوانب الإنسانية والأخلاقية التي تتقاطع فيها القيم بين الديانات.

بين النص والنية
إحدى النقاط المهمة التي ركز عليها الجندي هو أن التمييز بين النصوص التعبدية والنصوص العامة هو الذي يضبط الفهم الصحيح لـ"شرع من قبلنا"، مشددًا على أن المقصد من دراسة الشرائع السابقة ليس التقليد الأعمى بل الفهم والاعتبار، مضيفًا: "لو كان ما يفعله الآخرون ضارًا، لضرّ فارس والروم، النظر إلى السابقين لا يعني السير على نهجهم، بل الاستفادة منهم بما يخدم مصالحنا الدنيوية والدينية".
اختتم الشيخ خالد الجندي حديثه برسالة جامعة مفادها أن الإسلام دين منفتح على الحضارات، لكنه لا يُفرّط في ثوابته، فهو شريعة التوازن التي تأخذ من كل خير، وتردّ كل ما يعارض النص والمقصد، وبينما تتزايد الدعوات للانفتاح والتسامح، يؤكد الجندي أن ذلك لا يعني تنازلًا عن المبادئ، بل هو تأكيد على رشادة الفهم الديني الذي يوازن بين التراث الإنساني والحقائق الشرعية الثابتة.