تحذيرات دينية.. عالم «بالأوقاف»: "الاحتكار جريمة أخلاقية مباشرة"

في خضم الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي يرزح تحتها المواطنون، أطلّ خطر الاحتكار كواحد من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمع، ليس فقط من منظور اقتصادي، بل أيضًا كقضية تمس القيم الأخلاقية والدينية.
وفي هذا السياق، شدد الشيخ الدكتور محمود الأبيدي، أحد علماء وزارة الأوقاف، على خطورة هذا السلوك المشين الذي يتنافى مع أبسط مبادئ العدالة والتراحم.
وخلال ظهوره في برنامج "فاسألوا" على قناة "أزهري"، أوضح الأبيدي أن الشريعة الإسلامية كانت واضحة وحاسمة في تحريم الاحتكار، مستشهدًا بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وهو نص صريح يصف المحتكر بالمذنب، لما له من دور في إفساد حياة الناس، ونشر الحقد والكراهية بينهم.
المحتكر عدو للمجتمع
أكد الأبيدي أن من يمارس الاحتكار لا يفتقر فقط إلى الضمير، بل يعلن حربًا مباشرة على المجتمع والدين معًا، إذ يُخرج المال من دائرة البركة، ليتحول إلى نقمة تصيب صاحبه أولًا قبل أن تمتد أذاها إلى الناس، وخصوصًا الفقراء والمحتاجين.
وأضاف: "من يحتكر الغذاء أو الدواء، لا يظلم فردًا بعينه، بل يعتدي على حق مجتمع كامل في الحياة الكريمة، ويُهدد أمنه واستقراره، فحين لا يجد المريض دواءه، أو الجائع قوته، يكون المجتمع برمته في خطر".
نماذج في مواجهة الجشع
وفي مقابل تلك السلوكيات الأنانية، سلط الشيخ الأبيدي الضوء على نماذج تاريخية مشرّفة جسّدت الرحمة والكرم، مشيرًا إلى الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي رفض احتكار الطعام زمن المجاعة، مفضلًا بيع تجارته بسعر التكلفة قائلًا: "أربح بها عند الله"، في موقف يعكس فقه المروءة والرحمة في آن واحد.
الاحتكار أزمة أخلاقية
أكد الأبيدي أن خطورة الاحتكار لا تكمن فقط في نتائجه الاقتصادية من رفع الأسعار وشح السلع، بل في كونه يعبر عن انهيار في القيم الإنسانية. فهو تجلٍ للجشع والأنانية وغياب الضمير، ما يستوجب مواجهة حاسمة من جميع أطراف المجتمع.
ودعا في ختام حديثه إلى دور فعّال للجهات الرقابية في ملاحقة المحتكرين، مع ضرورة تعزيز الوعي الشعبي بأهمية مقاطعة من يتاجرون بآهات الفقراء، ودعم التجار الشرفاء الذين يحترمون ضوابط الشريعة وأخلاق السوق.

دعوة لحماية المجتمع
وجه الأبيدي رسالة تحذيرية مفادها أن الاحتكار خطر داخلي لا يقل خطورة عن أي تهديد خارجي، فهو يُفتت نسيج المجتمع من الداخل، ويغذي الكراهية والاحتقان الطبقي، مشيرًا إلى أن الحفاظ على العدالة الاجتماعية يبدأ من محاسبة من يعبثون بقوت الناس، والتصدي لكل أشكال الاستغلال في الأسواق.
واختتم قائلًا: "ليس هناك أرباح تُغني عن رضا الله، ومن أراد أن يربح بحق، فليتاجر في البر والرحمة قبل أن يتاجر في السلع".