ما المقصود بالعدل في قوله تعالى “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا”

الآية الكريمة “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلّا تَعْدِلُوا” هي جزء من سورة المائدة، وتعد من الآيات التي تحث على تحقيق العدل والإنصاف حتى في أحلك الظروف، بما في ذلك وجود العداء أو الخلافات مع آخرين. ومن خلال هذه الآية، يُعَلِّمُنا الله تعالى كيفية التعامل مع العداوات والخصومات بطريقة عادلة ومتوازنة، دون السماح لمشاعر الكراهية أن تؤثر على الحق أو العدالة.
1. معنى كلمة “الشنآن”
الشنآن في اللغة العربية يشير إلى العداء الشديد أو الكراهية العميقة بين شخصين أو جماعتين. كما تعني الغضب والحقد، وهي مشاعر قد تكون ناتجة عن أفعال مؤذية أو خلافات سابقة. من هنا، تُظهر الآية أن الشنآن لا يجب أن يؤدي إلى الظلم أو الانحراف عن العدالة، بل يجب أن يبقى المسلم متمسكًا بالإنصاف حتى في حال وجود هذه المشاعر السلبية.
2. معنى يَجْرِمَنَّكُمْ”
كلمة “يَجْرِمَنَّكُمْ ” تعني “لا يدفعكم إلى ارتكاب الجريمة” أو “لا يؤدي إلى معصية”. أي أن العداء أو الكراهية لا يجب أن تدفعكم إلى الظلم أو الجور على الآخرين. فالله سبحانه وتعالى يحذر من أن يؤدي الشنآن إلى ارتكاب الظلم الذي يُعتبر جرمًا في الدين.
3. “على ألا تعدلوا”
يُفهم من هذه العبارة أن الإنسان يجب أن يظل عادلاً في كل مواقف حياته، مهما كانت الظروف المحيطة به. حتى إذا كان الشخص في حالة عداء مع آخرين، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك على حكمه أو معاملته لهم. فالعدل يجب أن يكون ثابتًا لا يتغير بناءً على المواقف أو المشاعر، فهو مرتبط بمبادئ العدالة التي أمر بها الإسلام
مفهوم العدل في الإسلام
العدل في الإسلام ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل هو أحد الأركان الأساسية التي يقوم عليها النظام الإسلامي في الحياة. ويؤكد الله تعالى في هذه الآية على أن العداء لا ينبغي أن يثني المسلم عن الالتزام بالعدل. أي أنه رغم أن الشخص قد يكون لديه خصومة أو خلاف مع قوم ما، إلا أنه ملزم بأن يعاملهم بالعدل، دون أن تؤثر هذه العداوة على حكمه عليهم. هذا هو جوهر المبدأ الذي يدعو إليه الإسلام: أن تكون العدالة هي المعيار الأسمى في التعامل مع الجميع، دون استثناء أو تحيز
هذه الآية الكريمة تتجاوز مفاهيم العدل الفردي لتفتح الأفق نحو العدالة الاجتماعية على مستوى المجتمع بأسره. يُحتم على المسلم تطبيق العدل ليس فقط في تعاملاته الخاصة مع الآخرين، بل أيضًا على نطاق أوسع يشمل العدالة بين الشعوب والأمم. حيث يُطالب المسلمون بتطبيق العدالة في القضايا الاجتماعية والسياسية بين الدول والشعوب، بعيدًا عن الكراهية أو التحيزات العرقية أو الطائفية. فالعدالة، وفقًا لهذه الآية، هي حق للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو السياسية