المياه المفلورة وتأثيرها المحتمل على صحة الأطفال: هل لها علاقة بالتوحد؟

في الوقت الذي تعتبر فيه مياه الشرب المفلورة أحد أهم إنجازات الصحة العامة، ظهرت في السنوات الأخيرة دراسات مثيرة للجدل تُشير إلى احتمالية وجود علاقة بين استهلاك الفلورايد والإصابة باضطراب طيف التوحد لدى الأطفال بسبب مياه الشرب المفلورة ، وفيما يلي، سنستعرض أهم نتائج الدراسات، مواقف المجتمع العلمي، وتوصيات الخبراء بشأن مياه الشرب المفلورة التي تمس صحة الأطفال في العالم.
ما هو الفلورايد ولماذا يُضاف إلى مياه الشرب؟
الفلورايد هو عنصر كيميائي يوجد طبيعيًا في التربة والمياه وبعض الأطعمة، ويُستخدم منذ عقود في تعزيز صحة الأسنان والحد من التسوس، وتقوم العديد من الدول بإضافة كميات مدروسة منه إلى مياه الشرب، في ما يُعرف بـ"الفلورة"، كإجراء وقائي لتحسين الصحة الفموية العامة، وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن الفلورايد يقلل من تسوس الأسنان بنسبة تصل إلى 25%، وهو ما جعل هذه الممارسة شائعة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ودول أخرى.
دراسة أمريكية حديثة تربط بين الفلورايد والتوحد
في أبريل 2025، أثارت دراسة نُشرت في مجلة BMC Pediatrics حالة من القلق بعد ربطها بين مستويات الفلورايد المرتفعة في مياه الشرب وزيادة معدلات الإصابة بالتوحد لدى الأطفال بنسبة تصل إلى 526%. الدراسة التي أجراها معهد الأمراض المزمنة في ولاية ماريلاند الأمريكية بقيادة الدكتور مارك جير، شملت أكثر من 73 ألف طفل وُلدوا في الفترة بين 1990 و2012، وبيّنت أن المناطق ذات النسبة المرتفعة من الفلورايد شهدت أضعاف حالات التوحد مقارنة بالمناطق التي لا تحتوي مياهها على الفلورايد.
نتائج مقلقة بشأن الصحة العصبية
أشارت الدراسة إلى وجود صلة بين
الفلورايد وارتفاع معدلات الإعاقات الذهنية بنسبة 102%، وزيادة تأخر النمو بنسبة 24%، كما دعمت نتائج دراسات سابقة أجريت في كندا والمكسيك وجود علاقة بين التعرض للفلورايد في مرحلة الحمل أو الطفولة المبكرة وانخفاض مستويات الذكاء لدى الأطفال.
آراء متضاربة في المجتمع العلمي
رغم الدعم الذي تلقته الدراسة من شخصيات بارزة مثل وزير الصحة الأمريكي السابق روبرت كينيدي الابن، الذي دعا لإعادة النظر في سياسة الفلورة، فإن بعض العلماء عبّروا عن تحفظهم على نتائجها. الطبيبة فيث كولمان، أخصائية طب الأسرة، أشارت إلى أن الدراسة تعاني من ضعف في المنهجية، إذ لم تأخذ في الحسبان عوامل مثل العوامل الوراثية، ومستوى التعليم، والدخل، وغيرها من المؤثرات.
كما شدد باحثون من جامعة كوينزلاند الأسترالية في دراسة أخرى نُشرت عام 2024، على أن الفلورايد بتركيزاته الآمنة لا يؤثر سلبًا على نمو الدماغ أو الذكاء، مؤكدين أن البيانات التي تربط الفلورايد بالتوحد غير كافية لإثبات علاقة سببية مباشرة.
موقف الجهات الرسمية
توصي مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) بتركيز 0.7 جزء في المليون من الفلورايد في مياه الشرب، بينما تحذر منظمة الصحة العالمية من تجاوز 1.5 جزء في المليون، نظرًا لاحتمال ظهور تأثيرات جانبية مثل التسمم المزمن أو تغييرات في الأسنان والعظام، ومع ذلك، تشير البيانات الحديثة إلى أن بعض المناطق تتجاوز هذه النسبة، ما يستدعي مراقبة أكثر دقة.
هل حان وقت إعادة تقييم سياسة الفلورة؟
رغم المنافع المؤكدة للفلورايد في مكافحة تسوس الأسنان، إلا أن تصاعد المخاوف من تأثيراته المحتملة على النمو العصبي يدفع الخبراء إلى المطالبة بمراجعة شاملة للسياسات الصحية المعتمدة، ويرى البعض أن الحل يكمن في خفض التركيزات المضافة إلى المياه، وزيادة التوعية حول مصادر الفلورايد الأخرى، مثل معجون الأسنان والمشروبات الصناعية.
توصيات مهمة لحماية الأطفال
- للأسر: استخدام معاجين أسنان تحتوي على كميات مناسبة من الفلورايد مع الإشراف على الأطفال لتجنب البلع.
- للحكومات: الالتزام بالمستويات الآمنة الموصى بها من قبل الجهات الصحية الدولية.
- للباحثين: إجراء دراسات طويلة المدى تأخذ في الاعتبار العوامل البيئية والوراثية والاقتصادية.
- للمدارس والمراكز الصحية: التوعية بالمصادر المختلفة للفلورايد وكيفية الاستفادة منه دون التعرض لخطر التراكم الزائد.
الجدل حول علاقة الفلورايد بالتوحد لا يزال قائمًا، وبينما تشير بعض الدراسات إلى ارتباط مقلق، لا تزال الأدلة غير كافية لإثبات علاقة سببية حتمية. ما يحتاجه المجتمع العلمي الآن هو المزيد من الأبحاث المستقلة، التي تأخذ بعين الاعتبار مختلف المؤثرات، لتحديد ما إذا كانت مياه الشرب المفلورة آمنة حقًا لجميع الفئات، خاصة الأطفال.