نوح عليه السلام.. نبي الطوفان وداعية التوحيد في زمن الظلمات

تعدّ قصة النبي نوح عليه السلام واحدة من أروع القصص التي تتضمن دروسًا عظيمة في الصبر والإيمان، وقد وردت بشكل مفصل في العديد من سور القرآن الكريم، مما يبرز عظمة الدعوة التي قام بها والاختبار الكبير الذي مر به. القصة تحكي عن دعوة نوح لقومه الذين كانوا غارقين في الكفر والفساد، وكيف تحدى التحديات الكبيرة حتى وقع عليهم العقاب الإلهي العظيم.
دعوة نوح المستمرة لقومه
بعث الله تعالى نوحًا عليه السلام إلى قومه بعد أن غرقوا في عبادة الأصنام وارتكبوا المعاصي التي تباعدهم عن الله. بدأ نوح عليه السلام في دعوة قومه إلى عبادة الله وحده دون شريك. كانت دعوته بسيطة وواضحة: “يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره”، لكن هذا النداء لم يلقَ قبولًا من قومه، بل استمروا في تمسكهم بعقائدهم الفاسدة، مما دفع نوحًا للاستمرار في دعوته رغم الإصرار على الكفر.
قال الله تعالى في كتابه: “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا” [نوح: 5]. لم يكن الأمر سهلًا على نوح، فقد أمضى فيه أعوامًا طويلة يدعو قومه بعزم وصبر، ورغم ذلك، كانت ردود فعلهم دائمًا رافضة أو سخرية. في كل مرة كان نوح عليه السلام يوجه إليهم النصائح، كان زعماؤهم يسخرون منه، ويتهمونه بأنه مجرد إنسان مثلهم، لا يمتلك أي شيء مميز.
استجابة نوح لله بعد رفض قومه
رغم الاستهزاء، ظل نوح عليه السلام صابرًا، وطلب من الله أن يعينه على دعوته. وقد قدم نوح في دعوته كل أنواع الحكمة والوعظ، لكنه علم أن الله قد قدر للقوم أن لا يؤمنوا به. فصلى نوح إلى الله قائلًا: “رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَىٰ الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا” [نوح: 26]. وهذا يشير إلى عجزه عن إقناع قومه وأنه لا فائدة من الاستمرار معهم، وأن عقاب الله آتٍ لا محالة.
أمر الله لبناء السفينة
أمر الله تعالى نبيه نوحًا أن يبني سفينة كبيرة، وذلك بعد أن علم أنه سيقع الطوفان الذي سيغرق الأرض. لم يكن بناء السفينة أمرًا سهلاً، فقد كان نوح عليه السلام يبنيها في مكان بعيد عن البحر، وسط سخرية من قومه الذين كانوا يتسائلون عن سبب بناء هذه السفينة في مكان لا يوجد فيه ماء. كانوا يعتقدون أنه أصيب بالجنون. ولكن نوحًا، استمر في العمل دون توقف بناء على أمر الله، وقال لهم: “إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ” [هود: 38].
الطوفان الكبير وعقاب الكافرين
ومع مرور الوقت، حان وقت الطوفان، وعندما بدأ الماء يتفجر من الأرض وتدفق من السماء، كان نوح عليه السلام قد أتم بناء السفينة تمامًا. وقد أمره الله بأن يركب فيها المؤمنين، وأمره أن يأخذ معه من كل زوجين اثنين من الحيوانات لتكاثرهم بعد الطوفان.
ثم جرف الطوفان الأرض بكاملها، فغرق كل من كفر بالله ورفض دعوة نوح. وبالنسبة للأشخاص الذين آمنوا مع نوح، فقد نجوا جميعًا في السفينة، حيث حماهم الله من الغرق. وحينما حاول ابن نوح أن يهرب إلى الجبل ليحتمي من الماء، قال له نوح عليه السلام: “لا عاصم اليوم من أمر الله”، لكنه رفض وأصرّ على الهروب، فغرق هو الآخر.
ما بعد الطوفان: بداية جديدة
بعد أن انقضى الطوفان، أوقف الله المياه، وسكنت الأرض، وأمر نوحًا أن يخرج من السفينة هو ومن معه من المؤمنين. وأصبحت الأرض كما كانت من قبل، ولكن مع فارق كبير، هو أن نوحًا قد نجا ومن آمن معه من العذاب، بينما هلك الكافرون. وقد بدأت الأرض من جديد في استقبال حياة جديدة، لكن التجربة الكبرى التي مر بها نوح وقومه كانت درسًا عظيمًا.
الدروس المستفادة من قصة نوح عليه السلام
1. الصبر على الدعوة: من أكبر الدروس المستفادة من قصة نوح عليه السلام هو الصبر في الدعوة إلى الله، حيث أمضى نوح عشرات السنين يدعو قومه دون أن يستجيب له إلا قليل. لكن رغم هذا الاستمرار، بقي نوح مخلصًا في رسالته.
2. تحدي الصعاب: حتى في أصعب الظروف، استمر نوح في بناء السفينة وتنفيذ أمر الله رغم السخرية والرفض من قومه.
3. الإيمان بحكم الله: أمر الله تعالى كان لا بد أن يحدث. ومهما كانت محاولات قومه في الإعراض عن الحق، فإن النهاية كانت مؤكدة وهي العقاب بسبب إصرارهم على الكفر