
بدأ سوق حفاضات الأطفال في الانكماش في مصر، رغم خروج دراسات اقتصادية قبل عام باستناجات خاطئة بأن هذا السوق سيشهد نمواً ليصل حجمه إلى 400 مليون دولار سنوياً.. هذه الدراسات تعتمد على اقتصاديون يرتدون نظارات لا يوجد بها عدسات الديموجرافيا..
في مصر مثل كل دول العالم، يتركز سوق حفاضات الأطفال على المدن مثل القاهرة والاسكندرية وعواصم المحافظات.. فسكان الريف مازال القسم الأكبر منهم يعتمد على الأقمشة التقليدية "الكفولة" بالتعبير المصري الدارج.
إن مؤشر حفاضات الأطفال.. ليس دارجاً بين باحثي السكان والاقتصاد في مصر، ولكنه من وجه نظري يعد منظور رائع وغير تقليدي لفهم الوضع السكاني والاقتصادي في الدولة، فدراسة اتجاهات انتاج الحفاضات أو استيرادها ومبيعاتها يمنح رؤية شدية الوضوح للنمو السكاني ومعدلات الخصوبة والدخل المتاح للانفاق وحجم سكان المدن. فهو أداء شديدة الأهمية لدراسة الوع الراهن والمستقبلي في مصر ويحدد بوضوح حجم التحديات والفرص المتاحة.
عندما سألت صديقي الصيدلي محمود عن مبيعات الحفاضات في الصيدلية الأشهر الماضية، رد ببساطة وتلقائية "محدش بيشتري حفاضات دلوقتي.. محدش معاه فلوس". رد محمود يمنحني مؤشراً ديموجرافيا هاماً وهو تراجع عدد المواليد في القاهرة وخاصة مصر الجديدة ..فلا أطفال يعني لا حاجة لشراء الحفاضات.. فالحفاضات سلعة ترتبط بسن محدد وواضح وهو من شهر إلى عامين على الأكثر.
في القاهرة لم يتجاوز نسبة النمو السكاني في 2024 معدل 0.7% وانخفض إلى 0.58% خلال الربع الأول من 2025، وووفقاً لاسقاطاتي فإن عدد المواليد في القاهرة لا يزيد عن 200 طفل يومياً أي 70 ألف طفل في السنة الواحدة وبالتالي فإن حجم الطلب على الحفاضات في القاهرة لن يزيد عن 150 ألف طفل (للأطفال في عمر شهر إلى عامين).. في المقابل كان حجم المواليد قبل 5 أعوام فق 400 طفل يومياً أي أن حجم السوق كان 300 ألف طفل.
إن ملاحظة محمود أن شراء الحفاضات تراجع بشدة هي ملحوظة صحيح ولكن تفسيره كان مقتصر على التفسير الشعبوي التقليدي "محدش معاه فلوس".. ولكن الدراسات الاقتصادية تعارض محمود، حيث إن مستهلكي الحفاضات هم بالاساس من سكان المدن الكبرى التي يفضلون الحفاضات لاسباب صحية وبسبب نمط الحياة المرتبط بالمدينة، فلا بديل عن الحفاضات للأطفال في المدن في أي بقعة في العالم مهما كان الوضع الاقتصادي، فقط يؤثر التضخم وانخفاض الدخل على نوع الحفاضات والميل لشراء الحفاضات الأرخص.. فهو سوق ثابت لا يتأثر بالدخل..
إن تفسير تراجع مؤشر الحفاضات في القاهرة هو انخفاض المواليد فقد تراجع الطلب الحقيقي على الحفاضات في المحروسة بنحو النصف خلال أقل من 4 أعوام..
إن إنتاج الحفاضات والطلب عليها يُمثلان مؤشرًا لعدد الأطفال الصغار في بلد ما، ولا يربط بأي بشكل بالوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية. فكلما زاد عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و2 سنة، زاد الطلب على الحفاضات، مما يؤدي إلى ارتفاع أرقام الإنتاج والمبيعات. في المقابل، قد يؤدي انخفاض عدد الأطفال الصغار إلى انخفاض إنتاج الحفاضات ومبيعاتها.
هنا عليك أن تراقب في المحلات الكبرى بالقاهرة حجم شراء الحفاضات وتقارنهم بما كان من قبل، ستجد بعد أن كانت أغلب عربات الشراء تمتلئ بالحفاضات وخصوصا في وقت العروض والتخفيضات، فإن قليل من عربات الشراء اليوم اصبحت تتربع الحفاضات على عرشها.