إيران والولايات المتحدة الأمريكية
كواليس مفاوضات واشنطن وإيران بعد 45 عامًا من قطع العلاقات الدبلوماسية

بعد ساعات قليلة ستبدأ واشنطن وإيران عقد محادثات "غير مباشرة" بين كبار المسؤولين من الجانبين في عُمان اليوم السبت، برئاسة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
يأتي هذا الحدث بعد أسابيع من المباحثات الدبلوماسية - وغير الدبلوماسية - بين البلدين، على خلفية تصاعد التوترات العسكرية، حيث تقترب إيران أكثر من أي وقت مضى من تطوير أسلحة نووية.
وهنا السؤال الأبرز.. هل يُمثل هذا الاجتماع نقطة تحول في العلاقة المتوترة بين البلدين؟
كواليس مفاوضات واشنطن وإيران
بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 45 عامًا، أحيا هذا الاجتماع الآمال في التوصل إلى حل دبلوماسي محتمل للمسألة المُلحة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. ووفقًا لطهران، لن يلتقي ممثلو البلدين وجهًا لوجه، بل سينقل وسطاء تصريحات كل جانب إلى الآخر.
ولكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نفى ذلك في تصريحات سابقة، مؤكدًا على أن هذا الاجتماع "رفيع المستوى" وسيتضمن محادثات مباشرة حول سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية.
ومن جانبها، سارعت إيران إلى رفض تصريحات ترامب، حيث صرح عراقجي لوسائل الإعلام الرسمية بأن المحادثات يجب أن تكون غير مباشرة. وقال: "لن نقبل بأي شكل آخر من أشكال التفاوض".

لماذا ستيف ويتكوف هو من يقود المحادثات؟
يرى بعض المحللين السياسيين، أن قيادة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للمحادثات مع إيران ليس من قبيل الصدفة. وبحسب ديفيد ريجوليه - روز، الباحث المشارك والخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد العلاقات الاستراتيجية والدولية، يُعتقد بأن اختيار ويتكوف، هو دليل على مدى أهمية هذا الاجتماع.
وبحسب ما قاله جوناثان بيرون، المتخصص في التاريخ الإيراني في مركز إتوبيا للأبحاث في بروكسل، فإن اختيار ويتكوف، وهو رجل لا ينتمى إلى عالم الدبلوماسية الدولية، بل من عالم الأعمال الأمريكي، حيث جمع ثروته من العقارات، يأتي من قبيل تبادل المصالح.
وبينما لا يغيب مغذى اختيار ويتكوف، عن العقل الإيراني، يمكننا أن نفهم بأن إيران نفسها منفتحة على استعادة العلاقات، إذ صرح الرئيس الإيراني مسعود بيزيشكيان، في وقت سابق، بأن بلاده منفتحة على الاستثمار الأمريكي.
وربما تمتلك إيران استعداد حقيقي لإرضاء ويتكوف، ومن خلاله ترامب، من خلال تبني أسلوبٍ يناسبهم، وشرح كل ما قد يعنيه اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات الأمريكية عن إيران بالنسبة للولايات المتحدة.
كما يرى العديد من المحللين للشأن الإيراني، أن إيران ليس لديها خيار آخر سوى التعاون مع الولايات المتحدة.
وأضاف: "كانت إدارة ترامب أكثر حرصًا على تغيير النظام، ومن هنا جاء انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018. هذه المرة، لا تزال إدارة ترامب الثانية وحاشيته معاديةً جدًا للجمهورية الإسلامية، لكن بعضهم أظهروا انفتاحًا أكبر على فكرة المفاوضات لاستقرار العلاقة مع إيران".
من الجانب الإيراني، شارك عباس عراقجي، بشكل مباشر في المفاوضات مع الولايات المتحدة التي سبقت الاتفاق النووي، حيث كان جزءًا من الفريق الذي قاده الدبلوماسي المخضرم محمد جواد ظريف.
وقال بيرون: "لقد ساهم بشكل ملحوظ في صياغة محتوى الاتفاق عام 2015، إنه يعرف الأمريكيين جيدًا، وربما يتمتع بميزة معينة في طريقة إدارته لهذه المحادثات نظرًا لتلك الذاكرة وتلك الخبرة".

"عُمان" وسيط الظل
ستُعقد المحادثات في سلطنة عُمان، الجارة الهادئة لإيران والمعروفة بحيادها في جميع أنحاء المنطقة. ومثل قطر، تتمتع عُمان بتاريخ طويل في التوسط بين القوى المتنافسة.
بعد قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1980، تعتمد إيران والولايات المتحدة على هذه الأنواع من الوسطاء - بالإضافة إلى الاتصالات غير المباشرة عبر السفارة السويسرية في طهران - للتواصل مع بعضهما البعض، سواء كان ذلك من خلال نقل المعلومات أو المفاوضات الفعلية.
لعبت عُمان أيضًا دورًا في تسهيل إطلاق سراح الغربيين المسجونين في إيران، مثل إطلاق سراح العامل الإنساني البلجيكي أوليفييه فانديكاستيل عام 2023، مقابل المواطن الإيراني أسد الله أسدي، الذي حُكم عليه بالسجن 20 عامًا بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي في فرنسا.
موعد نهائي وشيك
يأتي هذا الاجتماع المحتمل بين الإيرانيين والأمريكيين بعد أسابيع من التراشق الدبلوماسي. ويُصدر الجانبان بيانات ومنشورات شبه يومية على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أن أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أواخر مارس.
في الرسالة، التي صاغها الرئيس الأمريكي رسميًا كخطوة أولى نحو التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، منح ترامب طهران، على ما يبدو، شهرين للتفاوض، مهددًا بشن ضربات عسكرية على البنية التحتية النووية للبلاد بعد الموعد النهائي في منتصف مايو.
وشدد ترامب هذه التهديدات يوم الاثنين، محذرًا الحكومة الإيرانية من أنها ستكون في "خطر كبير" إذا لم تسفر المحادثات المقبلة عن شيء. وتشير تصريحات كهذه إلى أن واشنطن غير مهتمة بالمسار المستقر للدبلوماسية البطيئة كتلك التي أدت إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

الفرصة الأخيرة
هناك الكثير على المحك. في بداية أبريل، صعّدت الولايات المتحدة ضغطها العسكري على إيران بإرسال عدد من "قاذفات بي-٢" الاستراتيجية إلى قاعدتها العسكرية في دييغو غارسيا، إحدى جزر تشاغوس في المحيط الهندي. وهذه الطائرات قادرة على استهداف البنية التحتية الحيوية في إيران.
وقال إن هذه الخطوة جزء من خيار عسكري أمريكي "على نفس نطاق ما حدث في أكتوبر 2001 قبل الهجوم الأمريكي على أفغانستان وفي مارس 2003 قبل غزو العراق".
وفي مواجهة هذا التصعيد، تواصل طهران إنكارها أن لبرنامجها النووي أهدافًا عسكرية. ورغم ذلك، تجد البلاد نفسها في حالة من انعدام الأمن قد تدفعها نحو امتلاك أسلحة نووية.
وفي تقريرها الأخير، حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من زيادة كبيرة في مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60%. وإذا ما اتخذت الخطوة التالية، فإن النظام يمتلك الآن ما يكفي من المواد النووية لصنع ست أو سبع قنابل.