«خد الشر وراح».. هل تتنافى المقولة مع الإيمان بالله وقدره؟

تُعد مقولة "خد الشر وراح" من العبارات التي تردّد على ألسنة العديد من الأشخاص في بعض المجتمعات العربية عند حدوث أمر غير مرغوب فيه، مثل كسر إناء أو وقوع ضرر بسيط.
وفي هذا السياق، أثار هذا القول جدلاً حول حكمه الشرعي وهل يتنافى مع الإيمان بالله وقدره؟ هذا ما نوضحه في تقريرنا هذا، بناءً على الفتاوى الشرعية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية.
ما هي مقولة "خد الشر وراح"؟
مقولة "خد الشر وراح" هي عبارة عامية شائعة تُقال عند حدوث مشكلة بسيطة أو أمر غير محبب مثل كسر كوب أو طبق، ويقصد بها التخفيف عن الشخص المُصاب بالضرر. المعنى المقصود من المقولة هو أن "الشر" الذي وقع قد اختفى مع وقوعه، وهو نوع من التفاؤل والاستبشار بالخير على الرغم من وقوع الضرر.
هل تتنافى المقولة مع الإيمان بالله؟
بحسب الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية، فإن مقولة "خد الشر وراح" لا تتنافى مع الإيمان بالله ولا تتعارض مع المعتقدات الإسلامية. ذلك لأن هذه المقولة تدخل في إطار المجاز اللغوي الذي يضاف فيه الفعل إلى سببه، وهو أمر شائع في اللغة العربية والشرع. وقد أكّد الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية السابق، أن مثل هذه الأقوال لا تعارض قضاء الله وقدره، بل يمكن أن تُحمل على معنى التخفيف والمواساة في الشدائد.
أهمية حسن الظن بالله في الإسلام
في الإسلام، يُحث المسلمون على حسن الظن بالله والتسليم الكامل لقضائه وقدره، فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ" (رواه مسلم). هذا يدل على أن المؤمن يجب أن يحسن الظن بالله في جميع حالاته، سواء أصابته السراء أو الضراء. وبذلك، لا يوجد ما يعارض الدعوة للتفاؤل أو للحديث بكلمات التخفيف كـ"خد الشر وراح"، حيث أن المراد منها هو دفع الضيق والتشجيع على الصبر.
دلالات المقولة في الشريعة الإسلامية
مقولة "خد الشر وراح" تتماشى مع ما يُعرف في الشريعة الإسلامية من أهمية التخفيف والمواساة. فعن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يواسِي المريض قائلاً له: "لا بأس طهور إن شاء الله" (رواه البخاري)، مما يشير إلى استحباب التخفيف والتفاؤل في مواجهة البلاء. كما أن الإسلام يُشجع على إظهار حسن الظن بالله، ويحث على التسليم لقضائه.
حكم إضافة الفعل لسببه في الشريعة الإسلامية
من المعروف في الشريعة الإسلامية أن إضافة الفعل إلى سببه تعتبر من المجازات المقبولة. على سبيل المثال، عندما يُقال عن سيدنا عيسى عليه السلام أنه "أبرأ الأكمه والأبرص" (آل عمران: 49)، فإن الفعل نسب إلى السبب ولكنه في الحقيقة بيد الله تعالى وحده. لذا، فإن القول بأن "الشر قد ذهب" في مقولة "خد الشر وراح" لا يتعارض مع إيمان المسلم بأن الله هو الفاعل الحقيقي لكل شيء.
كيف ينبغي للمسلمين التعامل مع مثل هذه الأقوال؟
ينبغي على المسلم أن يحمل كلام الناس على أحسن المعاني وأقربها للصواب، وأن يحسن الظن بالآخرين في كل الأحوال. فلا داعي للاستعجال في إنكار أو تحريج الأقوال البسيطة التي لا تعارض الشريعة، بل من المستحب أن يتم تفسيرها بشكل إيجابي بما يتوافق مع مقاصد الإسلام في الصبر والتفاؤل.
خلاصة الحكم الشرعي
وفقاً لما ورد من فتاوى دار الإفتاء المصرية، والمفتي السابق الدكتور شوقي إبراهيم علام، فإن مقولة "خد الشر وراح" لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل تندرج ضمن التخفيف والتشجيع على الصبر والتفاؤل. ولا حرج في استخدامها ضمن سياقها العام طالما أنها لا تحمل أي مضمون يتناقض مع أصول العقيدة الإسلامية.