متلازمة الدهون الوهمية: كابوس يلاحق من فقدوا الوزن

بعد الخضوع لجراحة السمنة أو اتباع أنظمة غذائية قاسية تؤدي إلى فقدان وزن كبير، يتوقع العديد من الأشخاص أن يشعروا بالفرح والإنجاز نتيجة التغيير الجسدي الذي مروا به، ولكن، قد يتفاجأ البعض بوجود مشكلة نفسية تسمى "متلازمة الدهون الوهمية"، التي تعيقهم عن الاستمتاع بالتحول الجسدي الذي حققوه، في هذه المقالة، سنستعرض هذه الظاهرة النفسية، وأسبابها، وكيفية التعامل معها.
ما هي متلازمة الدهون الوهمية؟
متلازمة الدهون الوهمية هي ظاهرة نفسية يعاني فيها الأفراد الذين فقدوا كمية كبيرة من الوزن من استمرار تصور أنفسهم على أنهم لا يزالون بدناء، على الرغم من التغير الجسدي الملحوظ.
وهي حالة تحدث غالبًا بعد الخضوع لجراحة السمنة أو اتباع حمية غذائية صارمة، وقد تتسبب في شعور مستمر بالقلق والتوتر بسبب عدم التكيف السريع مع التغيرات الجسدية.
يؤكد الباحثون أن هذه المتلازمة تنشأ بسبب انفصال الجسم عن العقل، أي أن الدماغ لا يتكيف بسرعة مع التغيرات السريعة التي تحدث في الجسم، مما يؤدي إلى أن الشخص يستمر في رؤية نفسه بنفس الحجم الذي كان عليه قبل خسارة الوزن، حتى لو كان هذا الحجم قد تغير بشكل ملحوظ، هذا التفاوت بين الصورة الذاتية للجسم والواقع الجسدي قد يتسبب في شعور الشخص بعدم الرضا المستمر، ويمنعه من الاستمتاع بإنجازاته.
كيف يحدث ذلك؟
تشير الدراسات إلى أن الذاكرة النفسية للوزن الزائد قد تستمر لفترة طويلة بعد فقدان الوزن. على سبيل المثال، قد يظل الشخص يتذكر نفسه باعتباره بدينًا، حتى بعد أن يفقد الكثير من الوزن.
وقد تكون هذه الذكريات النفسية جزءًا من الهوية الشخصية التي تراكمت على مدار سنوات، مما يجعل من الصعب على العقل أن يتأقلم مع التغيير السريع في مظهر الجسم، وبالتالي، حتى بعد التغيير الجسدي الكبير، قد يواجه الشخص صعوبة في قبول جسده الجديد.
كيف يؤثر العقل على الجسم بعد فقدان الوزن؟
في العديد من الحالات، تبدأ الأجسام في استعادة وزنها المفقود بشكل تدريجي، وذلك بسبب التغيرات النفسية والجسدية التي تحدث بعد فقدان الوزن الكبير، بينما يعتقد الكثير من الأشخاص أن التغيير الجسدي الكبير يجب أن يؤدي فورًا إلى تحسين صورة الجسم النفسية، إلا أن العقل لا يتكيف بنفس السرعة.
وفقًا للطبيب النفسي جوشوا هرابوسكي، يمكن مقارنة هذه الظاهرة بمفهوم "الطرف الوهمي"، الذي يحدث عندما يشعر الأشخاص الذين فقدوا أطرافًا معينة بالجسم (مثل بـ.تر أحد الأطراف) أنهم ما زالوا يمتلكون هذه الأطراف، هذه الظاهرة توضح كيف أن العقل يواجه صعوبة في التكيف مع التغيرات الجسدية السريعة، مما يؤدي إلى استمرار التصور القديم للجسم.
لماذا تحدث متلازمة الدهون الوهمية؟
صورة الجسم هي جزء أساسي من الهوية الشخصية، والتي تتشكل على مر السنين بناءً على تجارب الفرد، بالنسبة لأولئك الذين عانوا من السمنة لفترة طويلة، تصبح هذه الصورة جزءًا راسخًا في أذهانهم، ولذلك، حتى بعد فقدان الوزن الكبير، قد يعاني البعض من صعوبة في التكيف مع الشكل الجديد لجسمهم، مما يؤدي إلى استمرار تصور أنفسهم بنفس الطريقة القديمة.
يضيف كيفن ريتشاردسون، مدرب اللياقة البدنية، أنه من المهم أن يدرك الناس أن فقدان الوزن ليس مجرد عملية جسدية، بل هو عملية نفسية شاملة لتحسين الذات، فالتحدي الأكبر يكمن في تغيير المعتقدات الذاتية حول الجسم التي تشكلت عبر سنوات من العيش مع صورة جسم غير مقبولة، وعليه، قد تستمر الندوب النفسية الناتجة عن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالسمنة حتى بعد فقدان الوزن، مما يزيد من تعقيد التكيف مع التغيير الجسدي الجديد.
تأثيرات متلازمة الدهون الوهمية
المتلازمة لا تقتصر على التأثير النفسي فقط، بل قد تمتد إلى الحياة الاجتماعية والشخصية للشخص، فبسبب الصورة الذاتية السلبية التي لا تتناسب مع الواقع الجسدي، قد يعاني الشخص من مشاعر القلق والاكتئاب، مما يؤثر على نوعية حياته بشكل عام، كما قد تؤثر هذه الظاهرة على تفاعلاته الاجتماعية، حيث يواجه صعوبة في تقبل الثناءات والتعليقات الإيجابية من الآخرين حول مظهره الجديد.
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي استمرار هذا التصور السلبي إلى عزوف الشخص عن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، أو حتى في العودة إلى السلوكيات السابقة التي قد تضر بصحته النفسية والجسدية.
كيف يمكن التغلب على متلازمة الدهون الوهمية؟
لحل هذه المشكلة النفسية، يُنصح بالاستعانة بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يساعد الأفراد على تعديل أفكارهم الداخلية وتقبل التغييرات الجسدية، يساعد هذا العلاج الأشخاص على فهم الروابط بين أفكارهم وسلوكياتهم وكيفية تغيير هذه الأفكار بشكل إيجابي، كما يعزز العلاج السلوكي المعرفي القدرة على مواجهة الخوف والقلق الذي ينجم عن التغيرات الجسدية.
إضافة إلى العلاج النفسي، يمكن لتقنيات اليقظة مثل التأمل واليوغا أن تلعب دورًا هامًا في تحسين الصحة النفسية بشكل عام، وزيادة القدرة على تقبل التغييرات، ومن خلال ممارسة الوعي التام، يمكن للأشخاص التركيز على اللحظة الحالية وترك المخاوف المتعلقة بالماضي أو المستقبل.
تقنيات لتحسين صورة الجسم بعد فقدان الوزن
مقارنة الصور القديمة بالصور الحديثة: يمكن أن يكون من المفيد أن يقوم الشخص بمقارنة الصور القديمة التي تظهره في وزنه الزائد مع الصور الحديثة التي يظهر فيها جسده الجديد. هذا يساعد في تعزيز الصورة الإيجابية للجسم الجديد.
تغيير الملابس: من المهم أن يقوم الشخص بتغيير ملابسه لتناسب جسده الجديد. اختيار ملابس تعزز من الشكل الجديد يمكن أن يزيد من الثقة بالنفس ويعزز الشعور بالراحة.
الدعم الاجتماعي: إن الحصول على الدعم من الأصدقاء والعائلة، وكذلك من مجموعات الدعم الخاصة بفقدان الوزن، يمكن أن يكون له تأثير كبير في تعزيز صورة الجسم وزيادة الشعور بالقبول.
التأقلم مع التغيرات الجسدية بعد فقدان الوزن يتطلب وقتًا، ويجب على الشخص أن يكون لطيفًا مع نفسه في هذه الرحلة، لا يمكن للأمور أن تتحسن بين عشية وضحاها، لذا من المهم أن يتحلى الفرد بالصبر ويحتفظ بعقلية إيجابية، يجب أن يتذكر الجميع أن فقدان الوزن ليس مجرد تغيير جسدي، بل هو أيضًا تحول نفسي يتطلب الدعم والمساعدة للتكيف مع التغيرات بشكل صحي وفعال.