البرازيل والمكسيك تتحركان نحو تكامل اقتصادي إقليمي لمواجهة سياسات ترامب

في خطوة نحو الاستقلال الاقتصادي والسياسي في أمريكا اللاتينية، أعلنت المكسيك والبرازيل، الأربعاء، عن اتفاق مبدئي لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، في خطوة توحي بتشكل محور إقليمي جديد قادر على مقاومة الضغوط الدولية، وفي مقدمتها السياسات التجارية المتقلبة للولايات المتحدة.
جاء الإعلان على هامش قمة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (سيلاك)، التي استضافتها هندوراس، بحضور قادة وممثلي أكثر من 30 دولة من المنطقة، في وقت تتزايد فيه المخاوف من تداعيات السياسة الاقتصادية الأمريكية، خاصة مع تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، وعودة النبرة الحمائية إلى الواجهة مع الرئيس السابق دونالد ترامب.

تفاصيل الاتفاق
خلال اللقاء الثنائي، شدد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا والرئيسة المكسيكية كلوديا شاينباوم على أهمية توثيق التعاون الثنائي، عبر إنشاء آلية دائمة للتنسيق بين الحكومتين، وتنظيم منتديات دورية تجمع رواد الأعمال والمستثمرين، بهدف دفع عجلة التكامل الاقتصادي وتبادل التكنولوجيا وتعزيز سلاسل التوريد المشتركة.
وقال لولا عبر منصة "إكس": قررنا تعزيز علاقاتنا الثنائية من خلال اجتماعات منتظمة بين حكوماتنا وقطاعات الأعمال في كلا البلدين، لإرساء قواعد شراكة مستقلة ومستدامة."
الرئيسة المكسيكية بدورها، دعت إلى "تجاوز حالة التبعية المزمنة للسياسات الأمريكية"، مؤكدة أن المنطقة تحتاج اليوم إلى وحدة حقيقية تتجاوز الشعارات، بأن ما يجمع شعوبنا أكثر بكثير مما يفرقها، وحان الوقت لنبني نموذجًا لاتينيًا مستقلًا للتنمية."
علاقات مضطربة مع واشنطن
شهدت العلاقات التجارية بين أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة هزات عنيفة خلال فترة حكم دونالد ترامب، الذي انسحب من اتفاقيات متعددة الأطراف مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، وأعاد التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، ليخرج باتفاق جديد عُرف باسم USMCA، ما أثار قلقًا في المكسيك وكندا.
كما فرض ترامب رسومًا جمركية مفاجئة على واردات الحديد والألومنيوم من عدة دول، بما فيها دول حليفة في المنطقة، إلى جانب تشديد سياسات الهجرة والترحيل، وهو ما اعتُبر إهانة سياسية وتهديدًا مباشرًا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في دول الجوار.
وتجددت هذه المخاوف مؤخرًا مع إعلان ترامب عن فرض رسوم بنسبة 125% على واردات صينية، واستثناء مؤقت لباقي الدول لمدة 90 يومًا فقط، ما دفع الكثير من الحكومات في أمريكا اللاتينية إلى التساؤل: إلى متى يمكن الوثوق بالشريك الأمريكي؟

دلالات استراتيجية
يشير مراقبون إلى أن تقارب البرازيل والمكسيك، وهما أكبر اقتصادين في أمريكا اللاتينية ليس فقط خطوة اقتصادية، بل يحمل رسائل سياسية عميقة. فالتعاون بينهما قد يشكّل نواة لتكتل اقتصادي إقليمي يُنافس النفوذ الأمريكي والصيني في القارة، ويدفع باتجاه تطوير نموذج تنموي يعتمد على التكامل جنوب-جنوب بدلاً من التبعية لقوى الشمال.
ويُذكر أن كلا الزعيمين – لولا وشاينباوم – ينتميان إلى تيارات يسارية أو تقدمية عارض التوجهات النيوليبرالية التي سيطرت على المشهد الإقليمي لعقود. ما يعزز احتمالات تشكيل تحالفات سياسية واقتصادية جديدة تتسم بالاستقلالية، والتطلع لبناء سوق لاتينية مشتركة.
نحو "أمريكا لاتينية موحدة"
رغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن مراقبون يعتبرون ما جرى في قمة هندوراس مؤشراً واضحاً على وجود إرادة سياسية حقيقية لإعادة صياغة علاقة دول المنطقة بالعالم، والابتعاد تدريجيًا عن نموذج التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة.
وما إذا كان هذا التحول سيترجم إلى واقع ملموس على الأرض، فذلك يتوقف على مدى قدرة البرازيل والمكسيك على تنفيذ مشاريع مشتركة فعّالة، وحشد الدعم من بقية دول القارة، التي أنهكتها سنوات من التفاوت الاقتصادي والضغوط الخارجية.