واشنطن تعتزم مراقبة صفحات المهاجرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وانتقادات من منظمات حقوقية، أعلنت الحكومة الأمريكية، مساء الأربعاء، بدء تطبيق سياسة جديدة تقضي بفحص محتوى وسائل التواصل الاجتماعي للمهاجرين وطالبي التأشيرات، بحثاً عمّا وصفته بـ"النشاط المعادي للسامية"، وهو ما اعتبره نشطاء ومراقبون ذريعة لتكميم الأصوات المؤيدة لحقوق الفلسطينيين لقرار، الذي أعلنته دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأمريكية التابعة لوزارة الأمن الداخلي، يأتي في سياق مناخ سياسي متوتر داخل الولايات المتحدة، وسط استمرار الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية رفضًا للحرب الإسرائيلية على غزة، والدعم الأمريكي اللامحدود لحكومة تل أبيب.
وتزايدت حدة هذه الاحتجاجات منذ أكتوبر 2023، عقب العملية المسلحة التي شنتها حركة "حماس" على جنوب إسرائيل، ورد تل أبيب عليها بحملة عسكرية مدمرة في قطاع غزة، خلّفت آلاف القتلى والجرحى، غالبيتهم من المدنيين.
توسيع دائرة الرقابة على الطلاب والمهاجرين
البيان الرسمي أوضح أن السلطات ستبدأ اعتبارًا من اليوم في تقييم "النشاط المعادي للسامية" على وسائل التواصل الاجتماعي، كجزء من معايير فحص ملفات المهاجرين والمتقدمين للحصول على إقامة قانونية أو تأشيرات دراسية. وتشمل هذه الإجراءات أيضًا مراقبة المؤسسات التعليمية التي يُزعم ارتباطها بخطابات أو أنشطة تُصنّفها الحكومة كمعادية للسامية.
وأضاف البيان: "التحرش الجسدي أو الإلكتروني بأفراد يهود، وأي مظاهر تعاطف مع الإرهاب، ستُؤخذ بعين الاعتبار كأسباب لرفض طلبات الهجرة أو التأشيرات". ووصفت الإدارة الأمريكية هذه الخطوة بأنها جزء من "جهودها لتعزيز الأمن الداخلي ومكافحة التطرف"، في وقتٍ تُصنّف فيه واشنطن جماعات مثل حماس وحزب الله والحوثيين كتنظيمات إرهابية.
انتقادات حادة: خلط متعمد بين السياسة وحرية الرأي
الخطوة الجديدة سرعان ما قوبلت بموجة تنديد واسعة من منظمات حقوق الإنسان، التي رأت في هذا القرار محاولة لفرض رقابة رسمية على الآراء السياسية، خاصة تلك المتعاطفة مع القضية الفلسطينية.
وقالت مؤسسة "فاير" للدفاع عن حرية التعبير إن "إدارة ترمب تعمل على إضفاء الطابع الرسمي على المراقبة الرقمية، وتستهدف المهاجرين فقط لأنهم عبّروا عن رأي سياسي، حتى وإن كان ذلك الرأي محميًا بموجب التعديل الأول من الدستور الأمريكي". وأضافت: "القرار ينقل الولايات المتحدة من مناخ حرية التعبير إلى مناخ الخوف والملاحقة السياسية".
في السياق ذاته، حذر "مشروع نيكسوس" لمناهضة معاداة السامية من أن الخطوة الأمريكية تعكس تصورًا خاطئًا يعتبر معاداة السامية "مشكلة مستوردة"، فيما الواقع يؤكد أن انتقاد سياسات إسرائيل لا يعني بالضرورة التحريض على الكراهية أو العنصرية.
انتقادات من داخل الجالية اليهودية أيضًا
المثير للانتباه أن بعض الأصوات المنتقدة للقرار جاءت من داخل الجاليات اليهودية نفسها. حيث اعتبر نشطاء يهود أن الخلط المتعمد بين معاداة السامية والانتقاد المشروع لأفعال إسرائيل "أمر خطير"، مشيرين إلى أن السياسات الجديدة تهدد بحرمان الآلاف من المهاجرين والطلبة من فرص التعليم والعمل، فقط لأنهم أعربوا عن مواقف إنسانية تتضامن مع غزة.
خلفية سياسية وأبعاد أوسع
تأتي هذه الإجراءات في سياق أوسع لتحركات إدارة ترمب السابقة للحد من تدفق المهاجرين، وفرض رقابة مشددة على الجاليات الطلابية، لا سيما تلك القادمة من بلدان عربية وإسلامية.
وكانت الإدارة قد ألغت بالفعل عددًا من تأشيرات الطلاب، وأرسلت تحذيرات للجامعات الأمريكية من مغبة دعم الحركات الاحتجاجية المؤيدة لفلسطين، مهددة بتقليص التمويل الفيدرالي.
ويرى مراقبون أن هذه السياسات، وإن بدت ظاهريًا جزءًا من حرب الحكومة على "التطرف"، فإنها في جوهرها تمثل محاولة سياسية لإخماد أي حراك شعبي داخلي ينتقد الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل.