بـ10 آلاف جندي..
البنتاجون يدرس سحب القوات من أوروبا.. تهديد للردع أم إعادة ترتيب أولويات؟

يدرس كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، اقتراحًا مثيرًا للجدل يقضي بسحب ما يصل إلى 10 آلاف جندي من قواتها المنتشرة في أوروبا الشرقية.
وبحسب شبكة الإذاعة الأمريكية "NBC News" ، أثار هذا الاقتراح مخاوف واسعة في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء، حيث يراه البعض بمثابة مؤشر على تراجع الالتزام الأمريكي تجاه حلفائها في القارة العجوز، وهو ما قد يشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقًا لتصريحات ستة مسؤولين أمريكيين وأوروبيين تم إطلاعهم على تفاصيل المسألة.
خلفية القرار: تصعيد التوترات السياسية والعسكرية
وبحسب التقرير الأمريكي، فإن الوحدات التي تدرس وزارة الدفاع سحبها هي جزء من القوات التي أرسلها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في عام 2022، والتي بلغ عددها 20 ألف جندي لتعزيز دفاعات الدول المجاورة لأوكرانيا عقب الغزو الروسي.
وفي حين أن أعداد القوات التي ستشملها عملية السحب لا تزال في طور المناقشة، فإن المقترح الذي يتم تداوله قد يتضمن سحب نحو نصف تلك القوات.
ويأتي هذا التوجه في وقت حساس، حيث تتزايد الضغوط على الرئيس الأمريكي بايدن من أطراف داخلية وخارجية، من بينهم حلفاء تقليديون للولايات المتحدة في أوروبا الشرقية.
تحليل الأمن القومي الأمريكي وأثر القرار على حلفاء الناتو
بينما يُنظر إلى هذا السحب المحتمل في واشنطن باعتباره خطوة نحو تخفيف العبء العسكري في أوروبا وتركيز الجهود على التحديات الأمنية الأخرى مثل الصين، يرى العديد من المراقبين أن هذا القرار قد يكون له تبعات استراتيجية كبيرة.
مسؤولون أوروبيون حذروا من أن سحب القوات الأمريكية من دول مثل رومانيا وبولندا قد يُشعر حلفاء واشنطن في الناتو بالتخلي عنهم في وقت يُعد فيه تهديد روسيا هو الأولوية القصوى لتلك الدول، وخاصة بعد الحرب في أوكرانيا.
وقال سيث جونز، نائب الرئيس الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الروس سيعتبرون تقليص حجم القوات الأمريكية بمثابة إضعاف للردع، مما سيزيد من استعدادهم للتدخل بشكل أكبر في المنطقة".
وأضاف أن هذه التحليلات تثير قلقًا من أن يتسبب هذا التوجه في تعميق الأزمة الأمنية في أوروبا الشرقية، خصوصًا في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها أوكرانيا.
التوجهات العسكرية
من جانبه، أكدت إدارة ترامب على ضرورة أن يتحمل الحلفاء الأوروبيون عبء الدفاع عن أنفسهم، وهو ما يسمح للولايات المتحدة بالتركيز على تهديدات أخرى، لاسيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ .
وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، أشار في خطاب له في بروكسل في فبراير 2025، إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تركز بشكل أكبر على تأمين حدودها الجنوبية ومواجهة الصين بدلًا من التركيز على القضايا الأمنية في أوروبا.
الأثر على الميزانية العسكرية الأمريكية
في حال تنفيذ هذه الخطة، من المحتمل أن يتم توفير جزء من الميزانية العسكرية الأمريكية التي كانت مخصصة للقوات في أوروبا لإعادة تخصيصها لصالح تعزيز التواجد العسكري في مناطق أخرى، مثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تُمثل تهديدًا استراتيجيًا على المدى الطويل. ووفقًا للمسؤولين، فإن هذا التخفيض في القوات في أوروبا قد يساعد الجيش الأمريكي على إعادة توجيه استثماراته نحو تطوير معدات وأساليب قتالية حديثة تتماشى مع التحديات المستقبلية.
ردود الأفعال الأوروبية
قوبل اقتراح تقليص القوات الأمريكية في أوروبا الشرقية بقلق شديد من بعض السياسيين الأوروبيين، خاصة في دول مثل بولندا ورومانيا التي تعتبر القوات الأمريكية بمثابة ضمانة أساسية في مواجهة التهديدات الروسية. على سبيل المثال، حذر الجنرال المتقاعد بن هودجز من أن "الانسحاب الأمريكي قد يؤدي إلى تقليص القدرة على الردع، مما يُشكل ثغرة كبيرة في الدفاعات الأوروبية"، داعيًا إلى أن تكون أي خطوة في هذا الاتجاه مدروسة بشكل جيد.
متحدث باسم البنتاجون: غموض الموقف الرسمي
لم يستجب متحدث باسم البنتاجون لطلب التعليق بشأن هذا الموضوع، كما رفض الجيش الأمريكي التعليق على هذا الاقتراح، ولكن قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، براين هيوز، إن الرئيس يقوم باستمرار بمراجعة عمليات الانتشار والأولويات للتأكد من أنه يبقي أمريكا أولاً".
هذه التصريحات تشير إلى أن التوجهات العسكرية الأمريكية قد تخضع لتعديلات تتماشى مع الأولويات الاستراتيجية لواشنطن في الوقت الحالي.
تصعيد عسكري أم إعادة تنظيم استراتيجي؟
في النهاية، يعد قرار سحب القوات الأمريكية من أوروبا الشرقية خطوة استراتيجية قد تؤثر على الكثير من الموازين العسكرية والسياسية في المنطقة.
وبينما يرى في واشنطن على أنه جزء من إعادة ترتيب أولويات الدفاع الوطني، فإن أوروبا تشعر بالقلق إزاء تداعيات هذه الخطوة على أمنها المستقبلي.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، وارتفاع التهديدات من جانب روسيا، قد يكون من الضروري للولايات المتحدة أن توازن بين مسؤولياتها العسكرية في أوروبا وطموحاتها الاستراتيجية في مناطق أخرى من العالم.