دراسة تكشف: النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من الرجال

في واحدة من أكثر النتائج البحثية إثارة للدهشة والتساؤل، خلصت دراسة علمية حديثة نُشرت نتائجها على موقع "Health" وعُرضت ضمن الجلسات العلمية السنوية للكلية الأمريكية لأمراض القلب، إلى أن النساء، على الرغم من اتباعهن لنمط حياة صحي بمعدل أعلى من الرجال، إلا أنهن أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وهو ما يسلط الضوء على ثغرات في فهمنا للطب القلبي القائم على الفروق بين الجنسين، ويطرح أسئلة جوهرية حول دقة المعايير الطبية المعتمدة في التقييم والوقاية.
أسلوب حياة صحي لا يضمن الوقاية الكاملة للنساء
تُظهر الدراسة أن النساء غالبًا ما يتبعن أنماطًا صحية في الغذاء والنوم ومراقبة الوزن وضغط الدم، إلا أن التأثير الفسيولوجي للعوامل الصحية السلبية يبدو أقوى لديهن من الرجال.
فعلى سبيل المثال، إذا تعرضت امرأة ورجل لنفس المستوى من ارتفاع ضغط الدم أو الكوليسترول أو سوء التغذية، فإن تأثير هذه العوامل على المرأة يكون مضاعفًا مقارنة بالرجل، مما يزيد من احتمالات تطور مرض قلبي لديها.
فجوة بيولوجية.. ونتائج مقلقة
ضمّت الدراسة آلاف المشاركين من الجنسين، دون أن يكون لدى أي منهم تاريخ سابق بأمراض القلب، ما يعزز مصداقية النتائج.
تراوحت أعمار المشاركين بين الأربعينيات والخمسينيات، وكان متوسط عمر النساء 47 عامًا، والرجال 50 عامًا.
وخضع الجميع لتحليل شامل لنمط حياتهم، شمل النظام الغذائي، النوم، النشاط البدني، استخدام التبغ، مؤشرات السمنة، ونسب الجلوكوز والكوليسترول في الدم.
المفارقة التي أظهرتها البيانات أن النساء تفوقن في معظم المؤشرات الصحية:
أكثر التزامًا بالغذاء الصحي: 54% من النساء مقابل 35% من الرجال.
ضغط دم صحي لدى 73% من النساء مقابل 68% من الرجال.
مستويات الجلوكوز الصحية كانت لدى النساء بنسبة 92% مقارنة بـ89% للرجال.
ومع ذلك، فإن الارتباط بين عوامل الخطر واحتمالات الإصابة بأمراض القلب كان أعلى بمقدار الضعف لدى النساء، وهو ما يطرح فرضية مهمة: هل التكوين البيولوجي أو الهرموني للمرأة يجعلها أكثر هشاشة أمام العوامل المؤدية لأمراض القلب؟
الأسباب العميقة.. ما الذي يجعل قلب المرأة أكثر هشاشة؟
تشير الدراسة إلى أن هناك مجموعة من الأسباب التي تجعل النساء أكثر تأثرًا بالعوامل السلبية على القلب:
- انقطاع الطمث وفقدان الحماية الهرمونية
يُعد هرمون الإستروجين من العوامل الطبيعية التي توفر حماية للقلب، إذ يساهم في تنظيم ضغط الدم، وتقليل الالتهابات، والحفاظ على مرونة الأوعية الدموية.
ومع دخول المرأة في مرحلة انقطاع الطمث، عادةً في الأربعينيات أو الخمسينيات، يتراجع هذا الهرمون بشكل كبير، مما يرفع من احتمالات الإصابة بمشكلات قلبية حتى وإن كانت تمارس أسلوب حياة صحيًا.
- تأثير التدخين أقوى لدى النساء
أظهرت دراسات سابقة أن النساء اللواتي يدخنّ نفس عدد السجائر مثل الرجال يتعرضن لاحتمال أكبر بنسبة 25% للإصابة بأمراض القلب.
ويُعتقد أن السبب يعود إلى اختلافات في التمثيل الغذائي والتأثير الهرموني للنيكوتين في أجسام النساء.
- النظام الغذائي وتأثيره المختلف
حتى في حالة اتباع نظام غذائي متوازن، فإن التغيرات الهرمونية والجينية قد تؤدي إلى تأثيرات مختلفة على نسب الدهون والكوليسترول لدى النساء مقارنة بالرجال.
وهذا يعني أن النساء يحتجن إلى معايير مخصصة أكثر دقة لتقييم المخاطر الغذائية.
- قلة النشاط البدني رغم الوعي الصحي
رغم التزام النساء بأسلوب حياة صحي، فإن النشاط البدني يبقى أقل قليلًا من الرجال، وهو عامل لا يمكن تجاهله.
فقط 70% من النساء يمارسن الرياضة بانتظام، مقابل 73% من الرجال، والفارق وإن بدا بسيطًا، إلا أنه مؤثر جدًا في الوقاية من أمراض القلب.
أمراض القلب.. القاتل الأول الصامت
واحدة من الحقائق المؤلمة التي كشفتها الدراسة هي أن أمراض القلب لا تزال تمثل السبب الأول للوفاة لدى الجنسين في الولايات المتحدة، إلا أن الانتباه الإعلامي والطبي غالبًا ما يركز على الرجال، ويقلل من خطورة هذه الأمراض على النساء، ما يؤدي إلى تأخير في التشخيص، وضعف في التوعية المجتمعية.
وقد أشارت بعض الدراسات السابقة إلى أن أعراض النوبة القلبية لدى النساء تكون مختلفة وأكثر خفوتًا مما هي عليه عند الرجال، ما يجعل تشخيص الحالة في مراحلها المبكرة أمرًا أكثر تعقيدًا.
الوقاية تبدأ من الفهم العميق للفروقات
تشدد الدراسة على ضرورة إعادة صياغة آليات الوقاية الصحية بما يتلاءم مع احتياجات النساء، من خلال:
- تصميم حملات توعوية مخصصة للنساء لشرح الفروقات البيولوجية ومخاطر تجاهل الأعراض.
- تبني معايير تشخيص مخصصة جنسانيًا تراعي الاختلافات في تأثير العوامل القلبية.
- تكثيف الدعوة لممارسة الرياضة بشكل منتظم لدى النساء، وخاصة بعد سن الأربعين.
- التركيز على التغذية الوقائية الغنية بالألياف، ومضادات الأكسدة، والدهون الصحية.
- مراقبة دقيقة لضغط الدم والكوليسترول والجلوكوز، حتى لدى النساء غير المصابات.
- رغم كل التقدم في مجال الطب، لا تزال النساء يدفعن ثمن غياب التشخيص القائم على الفروقات البيولوجية.
- فأن تكوني امرأة لا يعني فقط الاعتناء بجمالك أو وزنك، بل أن تفهمي أن قلبك أكثر هشاشة من نظيره عند الرجل.
- ولذلك فإن الوعي، والفحص الدوري، والنشاط الجسدي، وتجنب التدخين، ليست خيارات رفاهية، بل ضمان للحياة.