كيف يمكن للتوتر أن يعزز تركيزك ويساعدك في تحقيق أهدافك؟

في عالم مليء بالتحديات والمشاكل اليومية، حيث يتزايد شعور الناس بالتوتر والقلق بسبب ضغوط الحياة، يصبح من الصعب في كثير من الأحيان تحديد الأهداف الشخصية والتركيز عليها، ومع ذلك، لا يُعد التوتر دائمًا عدواً لما نطمح لتحقيقه، بل قد يكون محفزًا قويًا يساعدك على تحديد أولوياتك وتحقيق أهدافك.
على الرغم من أن التوتر يعتبر أحد العوامل المسببة للعديد من المشاكل الصحية والعقلية، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أنه في حال تم التعامل معه بشكل مدروس، يمكن أن يكون له دور إيجابي في تعزيز التركيز وزيادة الإنتاجية، بل والمساعدة في تحقيق النجاح.
التوتر كأداة تحفيزية
كثير من الناس يعتبرون التوتر عدوًا للتركيز والإنتاجية، ولكن الحقيقة هي أن التوتر، في شكله المعتدل، يمكن أن يعمل كأداة تحفيزية فعالة، يتفاعل الجسم مع التوتر من خلال تحفيز النظام العصبي، مما يسبب ارتفاع مستويات الأدرينالين ويُحسن القدرة على اتخاذ قرارات سريعة وتنفيذ المهام.
بالطبع، هذا لا يعني أن التوتر المستمر أو المفرط يعد أمرًا جيدًا، ولكن التوتر الذي يقتصر على فترات قصيرة يمكن أن يكون دافعًا للقيام بالمهام العاجلة والضرورية. فهو يُحفز الدماغ على التركيز ويزيد من إنتاجيته على المدى القصير.
كيف يؤثر التوتر على الدماغ؟
من الناحية العلمية، أظهرت الأبحاث أن التوتر ينشط منطقة معينة في الدماغ تعرف بـ "اللوزة الدماغية"، وهي المسؤولة عن معالجة المشاعر والتحفيز على اتخاذ ردود فعل سريعة من أجل البقاء، اللوزة الدماغية تؤدي دورًا مهمًا في استجابة الإنسان للمواقف التي تهدد أمنه، لكنها في بعض الأحيان، قد تهيمن على وظائف الدماغ الأخرى مثل القشرة الجبهية.
القشرة الجبهية هي الجزء الذي يُعنى بالتفكير النقدي واتخاذ القرارات والتخطيط للأهداف المستقبلية. عندما يسيطر التوتر على الدماغ، تصبح القشرة الجبهية أقل قدرة على العمل بشكل فعال، مما يعوق قدرتك على وضع أهداف طويلة المدى والتخطيط لها.
كيف يمكن استغلال التوتر لتحقيق الأهداف؟
في كتابها إعادات الضبط الخمس: إعادة برمجة دماغك وجسدك لتقليل التوتر وزيادة المرونة، تقدم الدكتورة أديتي نيروركار، الباحثة في جامعة هارفارد، إطارًا علميًا يمكن أن يساعدك في استغلال التوتر بشكل إيجابي.
تشير نيروركار إلى أن أول خطوة في مواجهة التوتر هي إعادة تشكيل طريقة التفكير، بدلاً من الانشغال بالأسئلة السلبية مثل "ما هي المشكلة؟" أو "لماذا هذا يحدث لي؟"، يمكن للشخص أن يبدأ في طرح أسئلة أكثر إيجابية ومحفزة مثل "ما هو الأهم بالنسبة لي؟" أو "كيف يمكنني تحسين وضعي؟"، من خلال هذا التغيير في التفكير، يمكنك تحويل التوتر إلى دافع يحفزك على متابعة أهدافك.
خطوات عملية لتقليل تأثير التوتر وزيادة التركيز
دعت نيروركار إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية التي تساهم في تقليل تأثير التوتر وزيادة القدرة على التركيز وتحقيق الأهداف، ومن أهم هذه الخطوات:
- التحفيز: يجب أن يكون لديك هدف مرتبط بدافع قوي مثل تحقيق ترقية في العمل أو تحسين مستوى اللياقة البدنية، الارتباط بهدف كبير يمكن أن يكون دافعًا قويًا لمواجهة التوتر والعمل بجدية أكبر.
- تحديد الهدف بوضوح: من الضروري أن يكون لديك هدف محدد وقابل للقياس، فمثلاً، بدلاً من القول "أريد أن أكون أفضل في العمل"، يمكنك تحديد هدف أكثر وضوحًا مثل "أريد أن أزيد مشاركتي في الاجتماعات بنسبة 20% خلال الشهر القادم"، هذا النوع من الأهداف يجعل من السهل تقييم النجاح.
- حجم الهدف: يُنصح بأن يكون الهدف صغيرًا بما يكفي لضمان إمكانية تحقيقه، عندما يتم تقسيم الهدف إلى مهام أصغر، يصبح من الأسهل الإحساس بالتقدم وتحقيق النجاح، إضافة إلى ذلك، الأهداف الصغيرة تتيح لك القدرة على التحكم في التوتر وتقليل الشعور بالضغط الزائد.
- المدة الزمنية المحددة: يجب تحديد إطار زمني واقعي للوصول إلى الهدف، يتراوح عادة بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، من المهم أن يكون هذا الإطار الزمني قابلًا للتحقيق لكي لا يشعر الشخص بالإحباط إذا لم يتم الوصول إلى الهدف بسرعة.
أهمية الوقت في تكوين العادات
نيروركار توضح أن تكوين عادة جديدة أو الالتزام بهدف معين يحتاج إلى وقت طويل، قد يستغرق الأمر ما بين 6 إلى 8 أسابيع حتى يصبح السلوك عادة ثابتة في حياتك اليومية، خلال هذه الفترة، قد تواجه بعض التحديات أو الانحرافات عن الهدف، ولكن هذا جزء من العملية.
التراجع لا يعني الفشل، بل هو فرصة للتعلم وإعادة الالتزام بالهدف، إعادة الالتزام بالهدف بعد كل تراجع هو ما يبني العادات القوية ويعزز المرونة العقلية.
يمكن القول إن التوتر ليس دائمًا عدوًا للتركيز أو للأداء الجيد، إذا تم التعامل معه بحذر واستغلاله بشكل مدروس، يمكن أن يكون له دور مهم في تعزيز التركيز وتحقيق الأهداف.
من خلال استخدام الأساليب المناسبة مثل تحديد الأهداف الصغيرة والواقعية، وتحويل التوتر إلى دافع إيجابي، يمكننا استغلال هذا العامل النفسي لتحقيق النجاح الشخصي والمهني.