أول مسؤول يعارض التصعيد سريًا..
"بيسنت" يضغط من الداخل.. دعوة سرية لترامب لكبح التصعيد وتفادي زلزال اقتصادي

كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، عن توجه وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إلى فلوريدا، في محاولة لدفع الرئيس دونالد ترامب نحو تغيير لهجته بشأن السياسة التجارية، محذرًا من أن استمرار اللهجة التصعيدية قد يقود إلى مزيد من التدهور في أسواق المال.
وبحسب المصادر، فقد التقى بيسنت الرئيس على متن الطائرة الرئاسية "مارين وان"، مؤكدًا أن الأسواق الأمريكية ستظل عرضة لمخاطر كبيرة ما لم يضع ترامب في صلب رسالته غاية السياسة الجمركية، والمتمثلة في التوصل إلى صفقات تجارية مواتية مع الدول الأجنبية.
دعوة للتهدئة وسط نذر التصعيد
نقلت الصحيفة عن بيسنت تأكيده في اللقاء أن "السياسات الحالية تقود السوق إلى الانحدار"، مشددًا على ضرورة "التركيز على الهدف النهائي، وهو التفاوض، لا التصعيد"، في إشارة إلى وجوب إعادة توجيه الخطاب الرسمي نحو مسار أكثر هدوءًا وتوازنًا.
الاجتماع، وفقًا لوصف أحد الحاضرين، أتى بعد أسبوع من إعلان ترامب ما وصفه بـ"يوم التحرير"، الذي أطلق موجة من الاتصالات من أكثر من 50 دولة أبدت استعدادها لبدء محادثات حول نظام التعريفات الأمريكي الجديد.
وكان الهدف بحسب وجهة نظر بيسنت ممارسة ضغط أقصى على الدول الأخرى لدفعها إلى طاولة المفاوضات.
ورغم أن ترامب ومسؤولي إدارته دعوا علنًا الأمريكيين إلى الاستعداد لـ"حرب تجارية طويلة ومؤلمة وربما دائمة"، إلا أن بيسنت برز كأول مسؤول يحث الرئيس سريًا على تعديل الخطاب العام، لتقليص القلق الشعبي.
ووفقًا للمصادر، فإن هذه الدعوة جاءت بأسلوب هادئ وغير مباشر، لكنها نجحت في فتح الباب أمام رسائل تفاوضية أكثر مرونة.
مفاوضات رسمية مع اليابان
في تطور لافت، أعلن بيسنت، الإثنين، أن واشنطن ستبدأ مفاوضات رسمية مع اليابان بشأن الرسوم الجمركية، في وقت كتب فيه المستشار التجاري بيتر نافارو مقالًا في "فاينانشال تايمز" يتمسك فيه بنهج "عدم التفاوض" الذي طبع مواقف الإدارة مؤخرًا، في مشهد يعكس التباين داخل البيت الأبيض.
ورغم هذه المفارقة، أظهرت تصريحات ترامب لاحقًا استعدادًا ضمنيًا للتراجع عن لهجة الحسم، إذ قال إن العديد من الدول تأتي إلينا لعقد صفقات عادلة"، مؤكدًا أن بعض الرسوم ستكون "دائمة" فيما سيكون البعض الآخر "قابلًا للتفاوض". تصريحٌ فسّرته المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأنه "انفتاح على إمكانات التفاهم دون التزام باتفاق محدد".
وفي منشور عبر منصة X، أشاد بيسنت ببدء الحوار مع اليابان، واصفًا طوكيو بأنها "أحد أقرب الحلفاء"، وأبدى تطلعه إلى التعاون حول قضايا العملة والدعم الحكومي والتجارة غير الجمركية.
وأشار إلى أن أكثر من 50 دولة أبدت تجاوبًا إيجابيًا، ما يعكس نجاح سياسة الضغط في دفع الأطراف نحو الحوار.
وفي لقاء مع قناة "فوكس بيزنس"، أوضح بيسنت أن المفاوضات قد تمتد حتى يونيو، لكنه شدد على أن ترامب سيشارك فيها شخصيًا.
وقال: "إذا لم تتخذ بعض الدول خطوات مقابلة، فقد لا نُخفّض الرسوم، لكننا نأمل في مفاوضات فعالة تؤدي إلى نتائج ملموسة".
تصعيد ضد الصين
ورغم هذا الانفتاح، واصل ترامب تصعيده ضد الصين، مهددًا برفع الرسوم على الواردات الصينية إلى 104%، مما دفع الأسواق الأمريكية إلى حالة من التذبذب، مع نهاية متقلبة لجلسات التداول في "وول ستريت" يوم الاثنين، وسط تضارب في الإشارات القادمة من البيت الأبيض.
وفي إشارة لافتة، استخدم ترامب مجددًا استعارة "المريض في مرحلة العلاج"، حين قال للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "أحيانًا، لا بد من تجرّع الدواء".
وفي منشور عبر منصة Truth Social، خاطب منتقديه بقوله: "لا تكونوا ضعفاء أو أغبياء. لا تنضموا إلى حزب الذعر".
تأييد الرسوم الجمركية
رغم محاولات الإدارة الأمريكية طمأنة المستثمرين، فإن استطلاعات رأي داخلية لم تُنشر تفاصيلها، أظهرت تأييدًا ملحوظًا للرسوم الجمركية وسط القاعدة الشعبية والطبقة العاملة.
في المقابل، لم يُجرَ بعد أي استطلاع عام لقياس تأثير قرارات ترامب على حاملي الأسهم، الذين تجاوزت نسبتهم 60% من الأميركيين في آخر إحصائية لمؤسسة "جالوب" عام 2023.
ويرى بيسنت والمستشار الاقتصادي كيفن هاسيت أن الغاية يجب أن تكون دفع الدول إلى عقد اتفاقات أفضل للولايات المتحدة.
ورغم صعوبة المفاوضات المرتقبة، إلا أن التصريحات الأخيرة تمثل تحوّلًا نسبيًا في خطاب الإدارة، وسط قلق متصاعد من تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد والأسواق.