حديث عهد بربه.. هل المطر من النعم التي ينبغي شكر الله عليها؟
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المطر من نعم الله تعالى التي تستوجب الشكر عليها، وشكرها يكون بالفرح بها، ومن ثَمَّ يعمل الإنسان بموجب هذا الفرح، وهذا العمل إمَّا أن يتعلق بالقلب فيقصد الخير ويضمره لكافة الخلق، وإمَّا أن يتعلق باللسان فيظهر الشكر بالتَّحميدات الدالة عليه، وإمَّا بالجوارح فيستعمل نعمة الله تعالى في طاعته وَيتوَقَّى بها معصيته.
هل المطر من النعم التي يطلب من العبد أن يشكر ربه عليها؟
والعبد يفرح بنعمة المطر وعليه أن يعرف أنَّ كلَّ شيءٍ منه وحده سبحانه، فلا فاعل في هذا الكون على الحقيقة غير الله، فيعمل بموجب هذه المعرفة وينسب الفضل له تعالى شكرًا له على هذه النعمة، وأن يدعوَ ربَّه سائلًا إياه أن يجعل هذا المطر نافعًا للعباد والبلاد، وأن يتعرض للمطر بشرط أمن الضرر، بأن يقف تحته، لأجل أن يصيبه منه شيء رجاء البركة.
بيان أنَّ المطر من نعم الله على عباده
نعم الله سبحانه وتعالى على خلقه أكثر من أن تعدَّ أو تُحصى، يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34].
والمراد بالنعمة: هي ما يُقصد به الإحسان والنفع لا لغرض ولا لعوض، كما عرفها الشريف الجرجاني في “التعريفات”.
والمطر من عند الله سبحانه وتعالى يُقْصَدُ به الإحسان والنَّفع من الله تعالى للعباد، فيُسقَوْا به وينبت به الزرع لهم، فهو نعمة يغيث بها الحق سبحانه وتعالى خلقه، ولذا يقول الحق جل وعلا: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28].
قال الإمام القرطبي في “تفسيره”: [والغيث: المطر، وَسُمِّيَ الغيث غيثًا؛ لأنَّه يغيث الخلق]، وكل ما يكون غياثًا للناس فهو نعمة قطعًا.
كيفية شكر الله تعالى على نعمه
الله سبحانه وتعالى قد وجَّهَ العباد لشكره على نعمائه، فقال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
والشكر معناه: مقابلة المنعم على فِعلِه بثناءٍ عليه، وقَبولٍ لنِعمتِه، واعترافٍ بها، كما في “اشتقاق أسماء الله عز وجل”.
ويتحقق الشكر بفرح الإنسان بالنعمة، ومن ثم يعمل بموجب هذا الفرح، وهذا العمل إمَّا أن يتعلق بالقلب فيقصد الخير ويضمره لكافة الخلق، وإمَّا أن يتعلق باللسان فيظهر الشكر بالتَّحميدات الدالة عليه، وإمَّا بالجوارح فيستعمل نعمة الله تعالى في طاعته وَيتَوَقَّى بها معصيته.
قال الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين”: [الأصل الثالث: العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم، وهذا العمل يتعلق بالقلب وباللسان وبالجوارح، أما بالقلب فقصد الخير وإضماره لكافة الخلق، وأما باللسان فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه، وأما بالجوارح فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته وَالتَّوَقِّي من الاستعانة بها على معصيته].
كيفية شكر الله تعالى على نعمة المطر
يفرح العبد بنعمة المطر ويعمل بموجبه على النحو التالي:
أولًا: أن يعرف أنَّ كلَّ شيءٍ منه وحده سبحانه، فلا فاعل في هذا الكون على الحقيقة غير الله، فيعمل بموجب هذه المعرفة وينسب الفضل له تعالى شكرًا له على هذه النعمة، فيقول: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ»؛ لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه وفيه: «فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ» متفق عليه؛ ولذلك نص العلماء على استحباب هذا الكلام عند المطر، قال الإمام النووي في “روضة الطالبين”: [ويستحب أن يقول بعد المطر: «مُطِرنا بفضل الله ورحمته»].
ثانيًا: أن يدعوَ ربَّه سائلًا إياه أن يجعل هذا المطر نافعًا للعباد والبلاد؛ لما روي عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى المطر يقول: «اللَّهُم صَيِّبًا نَافِعًا» أخرجه البخاري، وفي لفظ أبي داود والنسائي: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا».
ولما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ» أخرجه أبو داود.
وأن يقول أيضًا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث سيدنا أنس رضي الله عنه: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» أخرجه البخاري.
وعند سماع الرَّعد: «سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ»، لما روى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنَّه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: «سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» رواه الإمام مالك في “الموطأ”.
ومعلوم أنَّ الدعاء عبادة، والعبادة من أجلِّ أنواع شكر الله والفرح بنعمه، ووقت نزول المطر من مواطن استجابة الدعاء، فَعن أَبِي أُمَامَةَ الباهلي رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْمُسْلِمِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ زَحْفِ الصُّفُوفِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ» أخرجه الأئمة: البيهقي في “السنن الكبرى”، والطبراني في “المعجم الكبير”.
ثالثًا: أن يتعرض للمطر بشرط أمن الضرر، بأن يقف تحته، لأجل أن يصيبه منه شيء رجاء البركة؛ لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق: 9]، وهو ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء عن أنس رضي الله عنه أنَّه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: «لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تعالى» أخرجه الإمام مسلم.



