"مضايقات غير مهنية".. تحقيقات في موريتانيا بعد انسحاب مستثمرة أجنبية

أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية عن تشكيل لجنة خاصة لتقصي الحقائق حول مزاعم مستثمرة أجنبية، قالت إنها تعرضت لما وصفته "مضايقات" و"تصرفات مجرّمة"، ما دفعها إلى الانسحاب من مشروع استثماري كانت تعتزم تنفيذه داخل البلاد، بحسب شبكة "السراج" الموريتانية.
جاءت هذه الخطوة في وقت تسعى فيه موريتانيا إلى تعزيز موقعها كوجهة آمنة للاستثمارات الأجنبية، وسط منافسة إقليمية متزايدة لجذب رؤوس الأموال الدولية في قطاعات حيوية مثل الطاقة والمعادن والبنية التحتية. كما تسلط الضوء على التحديات التي قد تواجه المستثمرين الأجانب في الأسواق الناشئة، وتضع اختبارًا حقيقيًا أمام الحكومة الموريتانية لتأكيد جديتها في الإصلاح ومكافحة الفساد.
وتفجّرت القضية بعد أن صرحت سيريباسي، مديرة شركة NIOFAR، التي يقع مقرها في السنغال، بتعرضها لما وصفته بـ"مضايقات وسلوكيات غير مهنية"، تتعارض مع البيئة الاستثمارية "التي يفترض أن تكون جاذبة وشفافة".
وذهبت المستثمرة الأجنبية إلى أبعد من ذلك، عندما أكدت أن بعض تلك التصرفات "مجرّمة بنص القانون"، دون أن توضح طبيعتها بدقة، مكتفية بالإعلان عن انسحابها الكامل من السوق الموريتانية.
وفي رد سريع على هذه التصريحات، أصدرت وزارة الاقتصاد والمالية بيانًا رسميًا أكدت فيه تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في ملابسات الحادثة، والوقوف على مدى التزام الجهات المعنية بمرافقة المستثمرين وتمكينهم من العمل في بيئة سليمة تحفظ حقوقهم وتُعزز فرص نجاح مشاريعهم.
قرار صعب
في هذا السياق، أعربت آيساتا لام، مديرة وكالة ترقية الاستثمار في موريتانيا (APIM)، عن تقديرها العميق لمساهمة الشركة خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك بعد إعلان سيريباسي، عن انسحابها من السوق الموريتاني.
و في تعليق لها على صفحة دانييل، أشارت لام إلى أن القرار لم يكن سهلاً، مؤكدة أن الملاحظات التي قدمتها سيريباسي تعكس التحديات البنيوية التي تسعى الوكالة إلى معالجتها.
وأوضحت لام أن الإمكانات وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح، مؤكدة أن الوكالة لا تزال في مرحلة مبكرة وتطمح للاستماع إلى ملاحظات سيريباسي حول ما كان يمكن أن يساعد الشركة على التغلب على التحديات.
من جهة أخرى، أشادت مديرة وكالة الاستثمار الموريتانية بالتأثير الإيجابي الذي أحدثته Niofar في موريتانيا، مشيرة إلى أن الشركة لعبت دورًا مهمًا في دعم ريادة الأعمال وتعزيز الفرص للشباب والنساء من خلال حلول اقتصادية مستدامة.
ورغم انسحاب الشركة السنغالية، فقد دعت لام إلى النظر إلى تجربتها في موريتانيا بشكل إيجابي، مشيدة بالأشخاص الذين تم تمكينهم وبالمعايير التي وضعتها. كما عبرت عن أملها في أن تتمكن موريتانيا في المستقبل من خلق بيئة أفضل لاستقطاب الشركات والفرص الاستثمارية، مع إمكانية عودة الشركة في حال تحسن الوضع.
تفاصيل التحقيق
أوضحت وزارة الاقتصاد والمالية الموريتانية أن اللجنة المُشكّلة مطالبة بإعداد تقرير مفصل حول الموضوع في موعد أقصاه 11 أبريل الجاري، على أن يتم نشر خلاصاته بشفافية أمام الرأي العام، واتخاذ ما يلزم من إجراءات بناءً على نتائج التحقيق.
وعبّر البيان عن التزام الحكومة التام بعدم التساهل مع أي شكل من أشكال الفساد أو الإخلال بالمسؤوليات المؤسسية، مشيرًا إلى أن الحادثة تمثل فرصة لمراجعة السياسات المرتبطة ببيئة الأعمال.
كما شددت الوزارة على أن حماية مناخ الاستثمار ليست فقط مسؤولية مؤسسية، بل تمثل التزامًا وطنيًا، لاسيما في ظل الرغبة في جذب مشاريع استراتيجية تدعم الاقتصاد الوطني وتوفر فرص العمل.
دلالات ومآلات
تشكل هذه القضية اختبارًا مهمًا للسلطات الموريتانية في إثبات مصداقيتها أمام المستثمرين المحليين والدوليين، خصوصًا بعد سنوات من التعهدات بالإصلاح ومحاربة الفساد الإداري.
وفي حال أثبت التحقيق وجود تجاوزات بالفعل، فإن التعامل الحازم معها سيكون رسالة طمأنة للمستثمرين بأن موريتانيا جادة في حماية حقوقهم.
في المقابل، إن لم تُتّخذ إجراءات ملموسة، فقد تشكل الواقعة نكسة لصورة البلاد في المؤشرات الدولية الخاصة بسهولة ممارسة الأعمال.
رغم حساسية الواقعة، إلا أن سرعة الاستجابة الرسمية تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية سمعة الدولة في الأسواق العالمية، وإذا ما أدير الملف بشفافية وجدية، فقد تتحول الأزمة إلى فرصة لمراجعة عميقة لآليات التعامل مع المستثمرين، ولبنة أساسية في بناء بيئة استثمارية قوية، قوامها النزاهة والثقة.
وتبقى الأنظار موجهة نحو 11 أبريل، حيث سيكشف تقرير اللجنة ما إذا كانت هذه الادعاءات حادثة فردية أم مؤشرًا على خلل أعمق يتطلب إصلاحًا جذريًا.