علاج الحسد وحكم طلب الرقية الشرعية من الصالحين.. الإفتاء توضح
أوضحت دار الإفتاء أن العين لها تأثير على الإنسان بالحسد كما ورد في القرآن والسنة، وينبغي على الحاسد أن يبتعد عن هذا الخُلُق الذميم المنهي عنه شرعًا؛ فالحسد يضر الحاسد في دينه فيجعله ساخطًا على قضاء الله، ويضره في دنياه فيجعله يتألَّم بحسده ويتعذَّب ولا يزال في غَمٍّ وهَمٍّ، وعلى المؤمن أن يعلم أنَّه لا يضره الحسد إلا ما قَدَّره الله عليه، فلا يجري وراء الأوهام والدَّجَّالين، وينبغي عليه أن يُحَصِّن نفسه وأهله بقراءة القرآن والذكر والدعاء.
المقصود بالحسد والتحذير منه وبيان خطورته على المجتمع
الحسد: تمني الحاسد زوال النعمة من المحسود؛ جاء في القاموس المحيط للفيروزآبادي: حَسَّدَه: تَمَنَّى أن تَتَحَوَّل إليه نعمتُه وفضيلته، أو يُسْلَبَهُما.
وهو من الأخلاق الذميمة والأمراض المهلكة التي أمر الله تعالى بالاستعاذة منها؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾، ولذا ورد النهي عنه؛ فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا..».
وقد وردت أحاديث في السنة تثبت أن العين حق ولها تأثير على المعيون -أي: مَن أصيب بالعين-؛ منها ما روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العَيْنُ حَق، وَلَو كَانَ شَيءٌ سَابِقُ القَدَرِ سَبَقَتهُ العَين»، وفي الصحيحين من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرها أن تسترقي من العين”.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة.. ومعناه: أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدَّرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى، وفيه صحة أمر العين، وأنها قوية الضرر.
وقال الإمام ابن حجر في فتح الباري: الحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة، وقد يصرفه قبل وقوعه؛ إما بالاستعاذة، أو بغيرها، وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية.
والحسد يضر الحاسد في دينه ودنياه أكثر مما يضر المحسود، فيضره في دينه؛ لأنه يجعل الحاسد ساخطًا على قضاء الله كارهًا لنعمته التي قسمها بين عباده، ويضره في دنياه؛ لأنه يجعل الحاسد يتألم بحسده ويتعذب ولا يزال في غم وهم، فيهلك دينه ودنياه من غير فائدة. أما المحسود فلا يقع عليه ضرر في دينه ودنياه؛ لأن النعمة لا تزول عنه بالحسد، بل ما قدَّره الله تعالى عليه لا حيلة في دفعه، فكل شيء عنده بمقدار.
ما يفعله المسلم إذا رأى شيئًا أعجبه وحكم تمني النعمة التي عند الغير
ينبغي على الحاسد أن يجاهد نفسه ألا يحسد أحدًا، وإذا رأى ما يعجبه عند غيره أن يدعو له بالبركة، فقد روى ابن ماجه في سننه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أرَ كاليوم ولا جلد مخبأة. فما لبث أن لبط به، فأُتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعًا، قال: «مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟» قالوا: عامر بن ربيعة، قال: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ».
ولا مانع شرعًا من تمني حصول مثل النعمة التي عند الغير، وهي ما يُعرف بالغبطة أو المنافسة في الخيرات، يقول الفضيل بن عياض: الغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق، والمؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط.
ومن ظن في نفسه وقوع الحسد من الغير عليه؛ فينبغي عليه إن كان يشتكي من مرض ظاهر أن يطرق باب التداوي طبًا؛ وهو من الأمور المشروعة، وقد حث الشرع عليه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء؛ فتداووا، ولا تداووا بحرام» رواه أبو داود والبيهقي والطبراني.
وعليه بعد ذلك أن يراعي عدة أمور؛ منها: أن يحصن نفسه بالرقية والدعاء أن يصرف عنه السوء والعين والحسد؛ فالدعاء من أفضل العبادات؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
ويقول الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقد أجاز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرقية بأم القرآن، فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك، إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلًا، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسألوه، فضحك وقال: «وما أدراك أنها رقية، خذوها واضربوا لي بسهم».
علاج الحسد وحكم طلب الرقية الشرعية من الصالحين
قد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ» أخرجه البخاري، ويقول أيضًا: «أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» أخرجه البخاري.
وفي حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي لما شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعًا يجده في جسمه منذ أسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: بسم الله، ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» رواه مسلم. وغير ذلك من نصوص الرقية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أجاز جمهور الفقهاء العلاج بالرقية بالقرآن وبما رقى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبما شابهه.
ولا حرج في طلب الرقية من الصالحين؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرني أن أسترقي من العين”، وروى الإمام الترمذي في سننه عن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله، إن ولد جعفر تُسرع إليهم العين؛ أأسترقي لهم؟ فقال: «نعم؛ فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين».
ومنها: أن لا يعمل جانب الأوهام والظنون في الناس، فلا يجوز للمسلم أن يسيء الظن بإخوانه ويتهمهم بأنهم حسدوه لمجرد مصادفة أحداث تقع، قد لا يكون لها علاقة بمن يظن فيهم ذلك.
التحذير من الذهاب إلى الدجالين والمشعوذين
ومنها: عدم طرق أبواب المشعوذين والدجالين لصرف السحر والعين؛ فالدجل والشعوذة من المحرمات؛ قال الإمام ابن الحاج المالكي في المدخل: قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: ينهى عن الرقى إذا كانت باللغة العجمية أو بما لا يدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر.
وقال الإمام ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية: يجوز تعليق التمائم وهي العوذة التي تعلق على المريض والصبيان وفيها القرآن وذكر الله تعالى إذا خرز عليها جلد ولا خير في ربطها بالخيوط هكذا نقل القرافي ويجوز تعليقها على المريض والصحيح خوفًا من المرض والعين عند الجمهور وقال قوم لا يعلقها الصحيح وأما الحروز التي تكتب بخواتم وكتابة غير عربية فلا تجوز لمريض ولا لصحيح لأن ذلك يحتمل أن يكون كفرًا أو سحرًا.
وقال الإمام النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: لا بأس أيضًا بالرقية الكلام الطيب من غير القرآن حيث كان عربيًّا، ومفهوم المعنى كالمشتمل على ذكر الله ورسوله أو بعض الصالحين، وأما ما لا يفهم معناه فلا تجوز الرقية به.
وقال الإمام النووي الشافعي في المجموع شرح المهذب: إن رقى بما لا يعرف أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله تعالى متبركًا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به



