عاجل

حديث «إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا».. معناه ولماذا يُسن؟

التباكي عند قراءة
التباكي عند قراءة القرآن

يتساءل الكثيرون عن حديث «إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا» وصحته، وما هو المقصود بالتباكي عند قراءة القرآن؟

معنى حديث «إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا»

يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: هُناكَ إِرشادٌ نَبويٌّ لطيفٌ في تربيةِ الإنسانِ لنفسِه، وهو تلبُّسُ الظاهرِ بالخُلُقِ الذي لم يَتَمكَّنْ منه الباطنُ؛ فمَن كان يَشكو مِن قِلَّةِ الإخلاصِ، فيَفعَلْ بظاهرِه ما فيه الإخلاصُ؛ فإنَّه ينعكسُ على الباطنِ، وإن لم يَتمكَّنْ من العفوِ عن أحدٍ بقلبه، فليَعْفُ بلسانه؛ فذلك يُهَيِّئُ القلبَ للعفوِ.

وتابع: رسولُ اللهِ ﷺ يقول في مرتبةِ الإحسان: «أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تراه»، ثم يُعقِّبها فيقول: «فإنْ لم تكنْ تراه فإنَّه يراك»، ويقول ﷺ: «إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا»؛ لأنك عندما تتباكى، وليس هناك بكاءٌ في عينيك، يؤثِّر هذا في نفسِك من الداخل ويُربِّيها حتى تصلَ إلى البكاءِ. ويقول ﷺ: «التبسُّمُ في وجهِ أخيك صدقةٌ».

وشدد علي جمعة: فإذا لم تستطع أن تعفوَ بقلبك، وأن تصفحَ عن أخيك، فتبسَّمْ في وجهه؛ فبالتبسُّم سوف تحصلُ على العفوِ في قلبك، موضحًا أن المُؤمِنُ أثناءَ ملاحظتِه لنفسِه وتربيتِه لها، إن لم يقدِرْ على فعلِ شيءٍ تركه وجاوزه إلى ما استطاع فعلَه، فعليه ألَّا يتركَ الخيرَ؛ فإنْ رفَض قلبُه أن يفعلَها، فعليه أن يُظهِرَ الخيرَ في جوارحه. فلو كنتَ بخيلًا بالعطاء، لا تشعرُ بالكرمِ في نفسِك وبحلاوةِ العطاء، أَعْطِ الفقيرَ، ثم أَعْطِ، ثم أَعْطِ؛ فإنَّ قلبك سيلين ويرق، لأنَّ الظاهرَ يؤثِّرُ في الباطن.

وشدد على هذا الأصلِ يتبيَّنُ لنا أنَّ التمسُّكَ بالظاهرِ واجبٌ، ولكن ليس هو المرادَ؛ إنما المرادُ القلبُ؛ فإذا صلَّيتَ فقد سقط عنك التكليفُ في الصلاة، وسقطت عنك هذه الصلاةُ، لا نُطالِبُك بها مرةً ثانية، لكن ليس المقصِدُ الركوعَ والسجودَ، إنما المقصِدُ الخشوعُ والتذكُّرُ والتدبُّرُ في الصلاة. فماذا يكون إذا صلَّيتَ بلا خشوعٍ؟ فقدتَ مرادَ اللهِ فيك. فهل نقولُ لك إذن: لا تُصلِّ؟ أم نقولُ لك: استمرَّ في الصلاةِ حتى الخشوعِ؟ بل استمرَّ في الصلاةِ إلى الخشوع؛ لأنك مُطالَبٌ بها، سواء خَشَعْتَ أم لم تَخْشَعْ.

استحباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصوت الحسن

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب الصوت الحسن؛ فقال لعبد الله بن زيد الذي رأى الأذان في منامه: «قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.

ولما أراد صلى الله عليه وآله وسلم مؤذنًا له في مكة اختار أبا محذورة رضي الله عنه لأنه حسن الصوت؛ فعن أبي محذورة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر نحوًا من عشرين رجلًا فأذَّنوا، فأعجبه صوتُ أبي محذورة" أخرجه الدارمي في "سننه"، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

قال الزبير بن بكار: كان أبو محذورة أحسن الناس أذانًا وأنداهم صوتًا، فقال له عمر يومًا وسمعه يؤذن: "كدتَ أن تنشقَّ مُرَيْطَاؤُك" (ما بين السرة والعانة). قال: وأنشدني عمي مصعب لبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة:
أما وربِّ الكعبة المسـتورهْ ... وما تـلا محمد من سوره
والنَّـغَماتِ من أبي محذورهْ ... لأفعـلن فعلة مذكـورهْ
 

تم نسخ الرابط