قهوة نجيب محفوظ.. لقاء الأدب مع التاريخ في قلب الحسين

في أحد أزقة خان الخليلي المتفرعة من حي الحسين العتيق، حيث تختلط الشوارع بعطر التاريخ، تمثل "قهوة نجيب محفوظ"، صرحًا ثقافيًاً وفنيًا، يخلد واحدا من أعظم الأدباء في تاريخ العرب، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، نجيب محفوظ.
النشأة والتأسيس
افتتحت قهوة نجيب محفوظ رسميا عام 1989، بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب عام 1988.
وقررت وزارة الثقافة المصرية، بالتعاون مع شركة مصر للفنادق والسياحة، تخليد اسم الأديب العالمي بإطلاقه على هذا المقهى الثقافي، والذي أقيم في قلب خان الخليلي، بالقرب من الأزهر الشريف وجامع الحسين، وهي المنطقة التي شكلت وعي نجيب محفوظ الأدبي وشهدت ميلاد رواياته الكبرى مثل "زقاق المدق" و"بين القصرين".
الطابع المعماري والديكور
وليست قهوة نجيب محفوظ مجرد مكان لتناول المشروبات أو الطعام، بل هي تجربة متكاملة تسافر بك إلى عالم نجيب محفوظ الروائي.
وتمتد القهوة على مساحة واسعة، مقسمة إلى عدة قاعات ذات طابع شرقي فخم، مزينة بالنحاسيات، الفوانيس الملونة، الأرابيسك، والزجاج المعشق، وتعلو جدرانها صور نادرة لنجيب محفوظ، ومقتطفات من رواياته، وترجمات لأعماله إلى عدة لغات.
ويوفر المكان جلسات داخلية وخارجية، ما يتيح لزواره الاختيار بين الجلوس في الهواء الطلق وسط أجواء خان الخليلي النابضة، أو الاستمتاع بهدوء الصالات المكيفة ذات الموسيقى الهادئة.
ملتقى المثقفين والأدباء
وأصبح المقهى منذ تأسيسه، ملتقى دائم للمثقفين والأدباء والفنانين، وتحول إلى مركز ثقافي مصغر، يقيم بين الحين والآخر أمسيات شعرية وندوات أدبية، وعروضا موسيقية شرقية.
أهم الزائرين:
وزار القهوة عدد من الشخصيات العالمية والعربية، من بينهم، الأديب البرازيلي باولو كويلو، الذي زار المكان عام 2009 وأبدى انبهاره بأجوائه الشرقية وبتكريم مصر لنجيب محفوظ، والمستشرقة البريطانية مارينا وورنر، التي أجرت لقاء ثقافيا مع كتاب مصريين في أحد أركانه، وشخصيات دبلوماسية وفنية مثل، سفير اليابان بالقاهرة، والفنانة يسرا، والمخرج شريف عرفة، الذي صور مشاهد من أفلامه في المنطقة.
علاقة نجيب محفوظ بالمكان:
وحالت ظروف نجيب محفوظ الصحية دون زيارة دائمة للمقهى في تلك الفترة، خاصة بعد اطلاق اسمه عليه، إلا أن تاريخه وحكاياته كانت دوما حاضرة فيها.
ومن المعروف أن محفوظ كان يرتاد قهوة الفيشاوي، القريبة بشكل منتظم في شبابه، حيث كان يكتب ملاحظاته ويصغى لأحاديث الناس التي كانت مصدر إلهام لشخصيات رواياته.
وفي لقاء تلفزيوني نادر عام 1990، قال محفوظ عن المقهى: "أجمل تكريم أن يضع اسمي على مقهى في خان الخليلي، حيث بدأت أولى حكاياتي وتكونت رؤاي".
مزار سياحي
تعد القهوة اليوم من أهم المزارات السياحية في القاهرة القديمة، ويزورها آلاف السياح سنويا، خصوصا من دول أوروبا واليابان وأمريكا اللاتينية، ممن قرأوا ترجمات نجيب محفوظ وأرادوا التعرف على بيئته، وقد ساهم المقهى في تنشيط الحركة السياحية في خان الخليلي، وأصبحت إحدى محطات الرحلات الثقافية التي تنظمها وزارة السياحة.
تحديات الحاضر وآمال المستقبل:
ورغم نجاح القهوة في الحفاظ على طابعها الثقافي، إلا أنها تواجه تحديات مستمرة، من بينها تقلبات السوق السياحي، وتأثر الحي التاريخي بتغيرات البنية التحتية.
قهوة نجيب محفوظ ليست مجرد مقهى؛ بل هي معلم أدبي وثقافي وسياحي، يحمل روح قاهرة نجيب محفوظ، بكل تناقضاتها وسحرها وناسها، إنها امتداد حي لعالم روائي ملأ الدنيا وشغل الناس، ولا تزال كلماته تتردد في جنباتها، وكأنها تحرس ذاكرة المكان والزمان.