عاجل

التغيرات المناخية تُربك الزراعة وخسائر فادحة في المانجو والزيتون |خاص

الدكتور صابر محمود
الدكتور صابر محمود عثمان- خبير التغيرات المناخية

قال الدكتور صابر محمود عثمان، خبير التغيرات المناخية ورئيس مجلس أمناء مؤسسة "مناخ أرضنا للتنمية المستدامة"، إن قرى مصر وحقولها لم تعد تشهد موسم الحصاد كما عرفه الفلاحون لعقود طويلة. فقد أصبحت التقلبات المناخية الحادة مثل ارتفاع درجات الحرارة (الموجات الحارة) أو انخفاضها (الموجات الباردة)، وتغير نمط سقوط الأمطار، والعواصف الترابية والرملية، عوامل حاسمة في تحديد مصير المحاصيل الزراعية.

يعبث بالزراعة وجودة الإنتاج

وأضاف خبير التغيرات المناخية، في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن تغير المناخ بآثاره الحسية والملموسة، بات يعبث بتوقيت الزراعة، وجودة الإنتاج، وعوائد المزارعين، بل ويجعل أحيانًا مجهود موسم كامل عرضة للضياع في أيام معدودة.

 وأشار إلى أن الفلاح المصري الذي طالما اعتمد على توقيتات دقيقة للزراعة والحصاد منذ آلاف السنين، بدأ يواجه انهيار هذا التنظيم الطبيعي نتيجة التغيرات المناخية الناتجة عن الأنشطة البشرية. هذه التغيرات تؤثر بشكل خاص خلال فترات النمو والإزهار، أو في توقيتات سقوط الأمطار التي لم تكن مصر معتادة عليها، ما يؤدي إلى أزمات غير مسبوقة في الإنتاج.

محاصيل في مهب التغير المناخي

وأضاف "عثمان" أن المانجو والزيتون، من أبرز المحاصيل التي تأثرت بشكل مباشر خلال المواسم الأخيرة. وهما من المنتجات الزراعية الأساسية في مصر سواء من حيث السوق المحلي أو التصدير.

وتعد محافظة الإسماعيلية،  من أهم مراكز إنتاج المانجو في مصر، وشهد موسم 2022 انخفاضًا حادًا في الإنتاج بنسبة تراوحت بين 50% إلى 70% في بعض المزارع، بحسب تقارير محلية وشهادات مزارعين.

موجة حرارة شديدة

وأوضح الدكتور صابر محمود عثمان أن السبب كان واضحًا ومباشرًا؛ عندما ضربت موجة حرارة شديدة  المنطقة خلال فترة الإزهار في شهري مارس وأبريل، تلتها تذبذبات حادة في درجات الحرارة ليلًا ونهارًا، وهذه الظروف أدت إلى تساقط الأزهار قبل عقد الثمار، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة سابقًا وأثرت بشكل كبير على العائد الاقتصادي للمزارعين.

وأكد خبير التغيرات المناخية، أن المفارقة تكمن في أن بعض الإجراءات التي كان من الممكن اتخاذها لتقليل الخسائر كانت بسيطة، مثل إضافة عنصر البوتاسيوم لتثبيت الأزهار على الشجرة وحمايتها من التساقط، لكن غياب المعلومة والإرشاد الزراعي حال دون تنفيذ هذه الخطوة في الوقت المناسب.

 التذبذب الحراري

وأضاف خبير التغيرات المناخية، في مناطق إنتاج الزيتون بالساحل الشمالي والدلتا، فقد شهد المزارعون تأثيرات مناخية غير مألوفة، تمثلت في ارتفاع غير معتاد لدرجات الحرارة خلال فصل الربيع، تلاه برد مفاجئ في شهر مايو. هذا التغير المفاجئ في درجات الحرارة سبب صدمة فسيولوجية للأشجار، أثرت على انتظام العقد الثمري، ما أدى إلى انخفاض كمية الزيت المستخرج من الثمار وتدهور في جودة المحصول بشكل عام، وسجلت بعض المزارع الصغيرة غيابًا شبه كامل للإنتاج، في خسارة مؤلمة تعكس هشاشة الوضع الزراعي في ظل غياب نظم إنذار مبكر ودعم فني فعّال.

وشدد الدكتور  عثمان على أن هذه التأثيرات لم تعد تُصنّف على أنها "تحديات زراعية" عابرة، بل باتت تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي المصري، خاصة في ظل تزايد الاعتماد على المحاصيل المحلية لمواجهة ارتفاع أسعار الاستيراد العالمية والضغوط الاقتصادية التي تفرض الحفاظ على العملة الصعبة داخل البلاد.

التكيف ضرورة لا رفاهية

وبين "صابر" أنه في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة سنويًا، وتغير النمط الحراري والمائي للمواسم، يواجه مستقبل الزراعة في مصر حالة من عدم اليقين غير المسبوقة، ولم يعد أمام الفلاح المصري خيار سوى التكيف السريع مع هذه التغيرات المناخية، سواء من خلال اختيار أصناف زراعية أكثر تحمّلًا للحرارة، أو تعديل مواعيد الزراعة، أو الاعتماد على أساليب ري ذكية تتماشى مع المناخ المتغير.

إلا أن هذا التكيف لا يمكن أن يتم بشكل فردي أو عشوائي، بل يتطلب دعمًا مؤسسيًا واضحًا، وتحديثًا عاجلًا لسياسات الإرشاد الزراعي، وربطها بالخرائط المناخية والتوقعات الموسمية. مستقبل الزراعة في مصر يتطلب تنسيقًا محكمًا بين الدولة، ومؤسسات البحث العلمي، والمزارعين لضمان البقاء والاستدامة في ظل مناخ لم يعد كما كان.

تم نسخ الرابط