00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

في عالم تسعى فيه أمتنا نحو ترسيخ العدالة والشفافية، تظل إساءة استخدام السلطة من بعض المسئولين واحدة من أخطر القضايا التي تهدد استقرار المؤسسات، ومن ثَمَّ الدول وتعيق مسار التنمية، فحين تُستخدم المناصب لتحقيق مصالح شخصية، يتشوه مفهوم الخدمة العامة ويتراجع الإيمان بمؤسسات الدولة،وتتزعزع الثقة في القائمين عليها، وهذا من أكبر الظلم والفساد.
إساءة استخدام السلطة ليست مجرد خطأ إداري أو تجاوز فردي، بل هي جريمة أخلاقية، ومجتمعية تزرع الإحباط في نفوس المنتسبين للمؤسسة، وتفقدهم الثقة في العدالة والمساواة؛ فحين يتحول الكرسي من وسيلة لخدمة الناس إلى أداة للنفوذ والسيطرة، تتبدد قيم النزاهة، ويتسع الفارق بين الرئيس والمرؤوس، والحاكم والمحكوم وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل استعمل رجلًا على عشرة نفر علم أن فيهم من هو أولى بذلك منه وأرضى عند الله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين" (رواه الحاكم).
وتتخذ هذه الظاهرة أشكالًا متعددة؛ منها المحسوبية في التعيينات، أو استغلال النفوذ، والابتزاز للحصول على منافع مالية ومكاسب شخصية بنهب المال العام، وفرض الجبايات على العاملين بزعم أنها تبرعات، أو توجيه القرارات لخدمة فئة بعينها على حساب المصلحة العامة، وقبول الرشوة أو طلبها لتقديم المنفعة أو تجاوز القانون، أو إخفاء القرارات الصادرة من السلطة الأعلى ووضعها في الأدراج، أو تجهيل المرؤوسين بحقوقهم وتهديدهم إن طالبوا بها وتخذيلهم، ومن ثم التربص ومحاولة الكيد والإضرار بهم، إرهابًا لغيرهم، مما قد يؤدي إلى خلق بيئة عمل غير صحية، وإساءة استخدام المعلومات السرية لتحقيق مصلحة شخصية، وكذلك اتخاذ القرار بشكل أحادي وإرغام المرؤوسين معنويًّا على موافقته، وتجاهل مبدأ الشورى وجهات اتخاذ القرار، وأيضًا المحاباة والتمييز بين أفراد المؤسسة بحسب الهوى، والانتهاكات الحقوقية بالتطاول والقمع، والتعامل بكبر وعنصرية صريحة تخالف الشرع والقانون؛ إذ قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات - 11)، وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس"، وفي كل هذه الحالات، تكون النتيجة واحدة: تقويض العدالة، وانهيار مبدأ تكافؤ الفرص، وتضرر الاقتصاد، وتراجع الأداء المؤسسي وتنعدم الثقة في المؤسسات، وقلة المشاركة والشعور بالاستياء، وغياب الكفاءة عن مواقع صنع القرار، وضياع الحقوق، وهو ما يتنافي مع تعاليم المولى سبحانه:"ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين" (هود 85)، وكذا حذر من الظلم والفساد في قوله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ" (سورة إبراهيم42)، وشدد على العدل والإنصاف في الحكم، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" (سورة النحل90)، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الظلم والاستغلال، وقال: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"رواه مسلم ، وأكد على أهمية العدل في الحكم، وقال: "العدل قربة من الله" (رواه البخاري).
ومن أسباب إساءة استخدام السلطة واستغلال النفوذ: غياب الرقابة والمساءلة والذي يؤثر سلبًا على المؤسسة، ويضر بسمعتها، ويساعد في انتشار الفساد والله تعالى يقول:" إن الله لا يصلح عمل المفسدين"(يونس 81)، وثقافة اللامبالاة من قبل الرئيس فيضرب بالقوانين عرض الحائط، وكذا من المرؤوسين إذا تقاعسوا عن كشف الفساد وتنازلوا عن حقوقهم، فاللامبالاة تجعل الانسان ينسى نفسه وغايته من الحياة، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون  ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون" (الحشر18/19)، وقد حذر منها القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة؛ فقال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (النساء 58)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه يوم القيامة دون حاجته وخلته وفقره" (رواه أبو داود).
إن مواجهة استغلال السلطة والنفوذ ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من تربية الفرد على الأمانة، وتنتهي بسياسات في حين يصبح المنصب العام مرادفًا للخدمة لا للهيمنة، وللإنجاز لا للمصالح الضيقة، ويتطلب علاج هذه الآفة تفعيل دور الإعلام في محاربة الفساد، وتعزيز الشفافية، وإتاحة المعلومات للجميع، خاصة تلك المتعلقة بالميزانيات والقرارات الهامة، ومطالبة المسؤولين بالإفصاح عن ذممهم المالية بشكل دوري، والمحاسبة الجادة للمسؤولين عن أفعالهم وإجراءاتهم أمام الجهات الرقابية المستقلة، وفرض عقوبات صارمة على من يثبت تورطه في الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة أو المفقودة بسببه، والعمل على نشر الوعي بين العاملين والمواطنين حول مخاطر الفساد وكيفية الإبلاغ عنه، وكذا حماية المبلغين عن الفساد من الانتقام أو التهديد، ولا ننسى محاربة إفقار الموظفين بتقديم رواتب مجزية لهم لتقليل الحاجة إلى الفساد، أو تملق الفاسدين، ودعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على مكافحة الفساد، وتتبنى المؤسسات منهجًا تربويًّا في بناء القيم المهنية لدى القيادات، يرسخ مفهوم السلطة تكليف لا تشريف، وبذلك يصبح المسئول أكثر حرصًا على أداء واجبه وفق ضوابط القانون.
وأخيرًا، تظل العدالة هي الضمان الحقيقي لاستقرار الأوطان؛ فحين يشعر المواطن أن صوته مسموع وأن المسئول خاضع للمساءلة، تزدهر الثقة بين الشعب ومؤسساته، وينهض الوطن على أسس من النزاهة والشفافية. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تم نسخ الرابط