يستحل الحرام| علي جمعة: التلاعب باللغة وألفاظها من أهم أسباب الفساد
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إنَّ التلاعُبَ باللغةِ وألفاظِها من أهمِّ أسبابِ الفسادِ الذي ملأ الأرضَ، وضجَّ منه جميعُ الصالحين، بل والعقلاءُ من كلِّ دينٍ ومذهبٍ.
التلاعب باللغة وألفاظها
وتابع علي جمعة، إن التلاعب باللغةِ يفتحُ علينا أبوابَ شر كبيرةٍ، حيث يستحلّ الحرام، ويحرم الحلال، ويُؤمَرُ بالمنكرِ ويُنهى عن المعروفِ، وذلك كلّه عكسُ مرادِ اللهِ من خلقِه. يقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ ناسًا من أمتي يشربون الخمرَ يسمونها بغير اسمها» (أخرجه الحاكم في المستدرك).
وأوضح أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك البيانِ النبوي لا يريدُ أن يُشيرَ إلى تلك الكبيرةِ — وهي شرب الخمر فحسب، بل إنه يتحدث عن تلك الصفةِ التي ستظهرُ في آخرِ الزمان، وهي "التلاعُبُ بالألفاظ"، والتي يترتبُ عليها تضييعُ الأحكامِ الشرعية، فيستحل الناسُ الذنوبَ والكبائر.
وأشار إلى أن الخمر تسمَّى "مشروباتٍ روحية " مثلا، والزنا يُسمَّى "حريةَ الحياةِ الخاصة" أو "حريةَ الممارسةِ الجنسية"، ولذلك يظن الناس أن أحكامَ اللهِ عز وجل لا تنطبقُ على تلك المسمياتِ الجديدة، رغم أنَّ الحقائقَ ثابتة.
ونبه أن الأساسَ الفكريَّ الذي نؤكدُ عليه دائمًا هو ضرورةُ أن تقومَ اللغةُ بوظائفِها التي تُبرِّر وجودَها أصلًا.
فإنَّ للغةِ ثلاثَ وظائفَ أساسية :
1. "الوضع": بمعنى جعل الألفاظِ بإزاءِ المعاني، وهو أمرٌ لا بدَّ منه حتى يتمَّ التفاهمُ بين البشر.
2. "الاستعمال": وهو أن يستخدمَ المتكلمُ تلك الأصواتِ المشتملةَ على الحروفِ لينقلَ المعانيَ التي قامت في ذهنه إلى السامع.
3. "الحمل": ويعني حملَ تلك الألفاظِ على مقابلِها من المعاني التي سبق للواضعِ أن تواضع عليها.
وقرر العلماءُ عبارةً موجزةً توضِّح ما ذكرناه فقالوا: «إنَّ الاستعمالَ من صفاتِ المتكلم، والحملَ من صفاتِ السامع، والوضعَ قبلهما».
وشدد علي جمعة: ينبغي أن يسودَ ذلك الأساس الفكريّ في التعاملِ مع اللغةِ ليواجهَ أساسًا فكريًا آخر هو أصل الفسادِ عن طريقِ التلاعُبِ بالألفاظ. ولعل ما ظهر من "مدارسِ ما بعد الحداثة الفكرية" تأصيلٌ لذلك الأساسِ الذي يقرِّرُ التلاعب بالألفاظ, فترى تلك المدارسَ أن عمليةَ "الوضع" ينبغي أن تكونَ مرنة لا تتقيد بالموروث، ولا يقتصرُ هذا المفهوم على اتساعِ اللغة طبقا لزيادةِ مساحةِ عالم الأشياء والأشخاص والأحداث والأفكار والنظم، وهو الاتساع المتفق عليه نظرا وعملًا، بل مقصودُهم "تغيير دلالاتِ الألفاظ" بحيثُ تزدادُ مساحة الحرية الفكرية.
وترى بعض المدارسِ المتطرفةِ من مدارسِ ما بعد الحداثة أنَّ هناك خمسةَ أشياءَ يجبُ أن تزولَ حتى يستطيعَ الفكر البشري أن يبدعَ وينطلقَ بلا عائق، وهذه الخمسة هي: "الثقافة، والدين، والأسرة، والدولة، واللغة".



