ما جزاء من يقرض الناس جبرا لخاطرهم مع الكراهية؟.. الإفتاء تجيب
ما جزاء من يقرض الناس جبرا لخاطرهم مع الكراهة؟ فإن إقراض المال للناس مِن أقرب القُرُبات، والأصل فيه أن يكون عن تراضٍ لا سيما وأنَّه من عقود التبرعات، وإن شَابَهُ شيءٌ من كراهة باطنة فلا تُؤثِّر في صحة العقد ما دام تَمَّ بإيجابٍ وقبولٍ
ما جزاء من يقرض الناس جبرا لخاطرهم مع الكراهة؟
أكدت دار الإفتاء أن إقراض المال للناس من أعظم القربات إلى الله تعالى، لما فيه من تفريج الكربات وإعانة المحتاجين، مشيرة إلى أن من أقرض غيره مالًا عن كراهيةٍ باطنةٍ أو حياءٍ من رفض الطلب، فإن ذلك لا يؤثر في صحة عقد القرض ما دام قد صدر الإيجاب والقبول بين الطرفين وتمّ العقد عن رضاٍ ظاهر.
وأوضحت الدار أن الأصل في العقود المالية أن تكون قائمة على التراضي وطيب النفس من الطرفين، ولا سيما عقد القرض الذي هو من عقود الإرفاق والإحسان، لأنه لا يهدف إلى تحقيق نفعٍ مادي، وإنما إلى قضاء حاجة المسلم لأخيه. واستشهدت بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه»، مبينة أن الرضا الباطني أمر قلبي خفي لا يُناط به الحكم الشرعي في الدنيا، وإنما يُعتبر الإيجاب والقبول هما الدليل الظاهر على تحقق الرضا وانعقاد العقد.
وأضافت دار الإفتاء أن الشريعة الإسلامية اعتبرت الأحكام في الظاهر دون البواطن، لأن الله تعالى هو وحده الذي يتولى السرائر ويحاسب على النيات، أما الناس فحكمهم في المعاملات يجري على ما يظهر من الأقوال والأفعال. واستدلت بقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم»، مشيرة إلى أن ذلك يبيّن أن الحكم في دار الدنيا مبنيٌّ على الظاهر، وأن الكراهة الداخلية لا تبطل العقود مادامت أركانها وشروطها الشرعية قد استوفيت.
وأكدت الفتوى أن القرض من الأعمال المندوبة التي يحبها الله تعالى، إذ يجمع بين نفع المحتاج وتفريج الكربة وإعانة الضعيف، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245]، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» (رواه مسلم).
وفي ختام بيانها، نصحت دار الإفتاء من يُقرضون المال للناس حياءً أو جبرًا لخاطرهم أن يجاهدوا أنفسهم على تصفية النية والرضا القلبي بما يفعلون، حتى يجمعوا بين فضل العمل الصالح وصدق الإخلاص فيه، داعيةً إلى استحضار الأجر العظيم المترتب على تفريج كربات المحتاجين، لأن ذلك من أعظم أبواب البر والإحسان التي يحبها الله.
وختمت الدار فتواها بالتأكيد على أن:
"إقراض المال للناس من أقرب القربات، والأصل فيه أن يكون عن تراضٍ، وإن شابه شيء من كراهةٍ باطنة فلا يؤثر في صحة العقد ما دام تم بإيجابٍ وقبولٍ ظاهرين؛ فالعبرة بما ظهر من الأقوال والأفعال، لا بما أخفاه الإنسان في قلبه".



