ما حكم العقيقة عن المولود الذي مات قبل السابع؟.. الإفتاء توضح
                            رجل رزقه الله تعالى بمولود، ثم قدَّر الله أن مات هذا المولود بعد ولادته بيومين؛ فهل على أبيه أن يعق عنه؟، قالت دار الإفتاء ليس على الأب المذكور عقيقة عن هذا الولد ما دام قد مات قبل بلوغه سبعة أيام من ولادته ولو كان قد وُلِد حيًّا، لكن إذا عق عنه فله ثواب العقيقة، وتكون سببًا لشفاعة الولد في أبويه يوم القيامة.
حكم عمل العقيقة
العقيقة سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فَعَلها وأَمَر بها ورَغَّب فيها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَعَ الغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى» أخرجه الإمام البخاري في الصحيح عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه: “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ” أخرجه الإمام أحمد في المسند.
وقد نص جماهير الفقهاء على سنيتها، وممَّن كان يرى ذلك عن الذكر والأنثى: السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأم المؤمنين عائشة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وبريدة الأسلمي رضي الله عنهم أجمعين، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعطاء، والزهري، وأبو الزناد. وبه قال الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجماعة من أهل العلم يكثر عددهم، وعلى ذلك جرى العمل في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سَنَّهُ لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وذهب الحنفية إلى أنها ليست بسنة وإنما هي مباحة أو تطوع، بينما ذكر الإمام القدوري من الحنفية أنها مستحبة؛ قال الإمام القدوري في التجريد: قال أصحابنا: العقيقة مستحبة وليست بسنة.
وقال العلامة ابن عابدين في رد المحتار: في غرر الأفكار أن العقيقة مباحة على ما في جامع المحبوبي أو تطوع على ما في شرح الطحاوي، وما مَرَّ يؤيد أنها تطوع، على أنه وإنْ قُلنا إنها مباحة؛ لكن بقصد الشكر تصير قربة؛ فإن النية تُصَيِّر العادات عبادات، والمباحات طاعات.
قال العلامة الشاه أحمد رضا خان في جد الممتار على رد المحتار معلقًا على هذه المسألة: قوله الطحاوي، وهو الصحيح.
وقت عمل العقيقة
الأصل فيها أن تُعمل يوم السابع من ولادة المولود؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ سَابِعِهِ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وَسَمُّوهُ» أخرجه الإمام الطبراني في المعجم الأوسط.
وقد أخذ المالكية بظاهر الرواية؛ فقصروا ذبح العقيقة في اليوم السابع من ولادة المولود؛ لا قبل ذلك، ولا بعده.
قال الإمام الخرشي في شرحه على مختصر خليل: وقت ذبح العقيقة في يوم سابع الولادة؛ لا قبله اتفاقًا، ولا بعده على المشهور.
وقال العلامة النفراوي في الفواكه الدواني: الدليل على مشروعيتها ما رواه أحمد بسند جيد، أنه عليه الصلاة والسلام قال: «كُلُّ غُلَامٍ مَرْهُونٌ بِعَقِيقَتِهِ»، وبين زمنها بقوله: «وَيُعَقُّ» بالبناء للمجهول «عَنِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ» فلا يعقّ عنه قبل السابع اتفاقًا، ولا بعده على المشهور؛ لسقوطها بمضي زمنها كالضحية.
بينما ذهب الشافعية والحنابلة إلى استحباب الذبح يوم السابع، فإن أراد الأب ذبحها قبل ذلك؛ جاز له الذبح، ولو بمجرد انفصال الولد عن أمه؛ لأن سبب العقيقة قد حصل بالولادة.
قال الإمام النووي الشافعي في روضة الطالبين: المستحب ذبحها يوم السابع من يوم الولادة، ويجزئ ذبحها قبل فراغ السبعة.
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في الكافي: يستحب ذبحها يوم السابع، فإن ذبحها قبل السابع جاز؛ لأنه فعلها بعد سببها.
آراء المذاهب الفقهية في حكم العقيقة عن المولود الذي مات قبل السابع
يتفرع على اختلاف الفقهاء في وقت ذبح العقيقة بحسب التفصيل السابق بيانُه: ما إذا مات المولود بعد ولادته وقبل أن يُدرِك اليوم السابع من ولادته؛ فهل يُعق عنه أو لا؟
فذهب المالكية إلى أنه لا يُستحب أن يعقّ عنه؛ لأن بداية وقت العقيقة عندهم كما تقرّر هو يوم السابع لا قبله، وعليه: فلو مات المولود قبل يوم السابع فلا يُعق عنه؛ لعدم تحقق سبب العقيقة، وهو الولادة وحياة المولود ليوم السابع، فلما انتفت الحياة بموت المولود قبل السابع انتفت العقيقة، وهو أيضًا مقتضى مذهب الحنفية؛ إذ قرنوا العقيقة عن المولود بمناسبة الحلق له يوم أسبوعه، ووجه ذلك أن العقيقة في أصلها هي الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقةً؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح؛ فإن العرب ربما سمَّوا الشيءَ باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في رد المحتار: يُستحب لمن وُلد له ولد أن يسميه يوم أسبوعه، ويحلق رأسه، ويتصدق عند الأئمة الثلاثة بوزن شعره فضة أو ذهبًا، ثم يعق عند الحلق عقيقة.
وقال العلامة أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ: لا يجوز تقديم العقيقة قبل السابع؛ قال مالك في المبسوط: إن مات الصبي قبل السابع؛ فليس عليهم أن يذبحوا عنه، فاقتضى ذلك أن وقت ثبوت حكمها هو الوقت المذكور من اليوم السابع، فإن أدرك الصبي ذلك الوقت ثبت حكمها، وإن مات قبل ذلك بطل حكمه.
وجاء في البيان والتحصيل للإمام ابن رشد: مسألة قيل له: أرأيت الذي يولد فيموت قبل السابع؛ أعليه فيه عقيقة؟ فقال: لا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه؛ لأن العقيقة إنما يجب ذبحها عنه يوم السابع إذا حلق رأسه وأميط عنه الأذى؛ على ما جاء عن النبي عليه السلام، فإذا مات قبل ذلك سقطت عنه العقيقة.
وقال العلامة ابن جزي في القوانين الفقهية: مَن مات قبل السابع لا يُعق له، وكذلك السقط، في وقتها وهو يوم سابع المولود إن ولد قبل الفجر، ولا يعدّ اليوم الذي ولد فيه، وتذبح ضحًى إلى الزوال، لا ليلًا، ولا سحرًا، ولا عشية، ومن ذبح قبل وقتها لم تُجزه.
وقال الشيخ عليش في منح الجليل شرح مختصر خليل: شرطها استمرار حياة المولود، فإن مات قبل السابع أو فيه قبل العق عنه فلا تندب.
وذهب الشافعية في المعتمد كما جزم به الإمام النووي واختاره أكثر محققي المذهب، والحنابلة، إلى استحباب العقيقة عن المولود الذي مات قبل السابع من ولادته.
قال الإمام النووي الشافعي في المجموع: لو مات المولود قبل السابع استحبت العقيقة عندنا.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: ويستحب أن يعق عمن مات بعد السابع والتمكن من الذبح، وكموته بعد السابع موته قبله؛ كما جزم به في المجموع.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في تحفة المحتاج: يسن سنة مؤكدة أن يعق عن الولد بعد تمام انفصاله وإن مات بعده؛ على المعتمد في المجموع، خلافًا لمن اعتمد مقابله، لا سيما الأذرعي لا قبله فيما يظهر من كلامهم؛ لكن ينبغي حصول أصل السنة به؛ لأن المدار على علم وجوده وقد وُجد.
 
                


