ما حكم الصلاة بالنسبة لمريض الزهايمر؟ وهل تسقط عنه؟
                            أكدت دار الإفتاء أن مريض الزهايمر إن كان مدركًا لغالب وقته فهو مُكَلّفٌ بأداء الفرائض ومنها الصلاة، وذلك مرتبط بالقدرة والاستطاعة، وقد يستخدم المصاب بجانب العلاج بعض الوسائل المُعينة له على التذكر وإتمام العبادات؛ كالجهاز الإلكتروني والسجادة الذكية.
 
ما حكم الصلاة بالنسبة لمريض الزهايمر؟
وإن غلب المرض على عقله وكان غير مدرك لغالب وقته فهذه درجة من درجات زوال العقل والتي اتفق العلماء على أن المُصابَ بها تسقط عنه الصلاة، ولكن لو شفي من مرضه لزمه أداء الفرائض، فتجب عليه الصلاة الحاضرة، وأمَّا ما فاته من صلواتٍ أثناء المرض: فالجمهور على أنه لا يقضيها، سواء قلَّت أم كثرت.
الأدلة على فرضية الصلاة في الإسلام
الصلاة فرضُ عينٍ على كل مُكَلَّف، ذكرًا كان أو أنثى، وقد ثبتَت فرضيتها بالكتاب والسُنَّة وإجماع الأمَّة؛ قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاة﴾، وقال سبحانه: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾.
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم لَمَّا بعَثَ معاذًا رَضِيَ اللهُ عَنْه إلى اليمنِ، قال: «إنَّك تَقْدَمُ على قومٍ أهلِ كتابٍ؛ فليكُنْ أوَّلَ ما تدعوهم إليه عبادةُ اللهِ، فإذا عَرَفوا اللهَ فأخبِرْهم أنَّ اللهَ قد فرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في يومِهم وليلتِهم، فإذا فَعَلوا فأخبِرْهم أنَّ اللهَ فرضَ عليهم زكاةً من أموالِهم وتُردُّ على فُقرائِهم، فإذا أطاعوا بها فخُذْ منهم، وتوقَّ كرائمَ أموالِ النَّاسِ» متفقٌ عليه.
قال الإمام النوويُّ: [أجمعتِ الأمَّة على أنَّ الصلواتِ الخمسَ فرضُ عين].
حكم صلاة المجنون ومن في حكمه
الـمُكَلَّفُ: هو من توافرت فيه شروط الأهلية؛ من الإسلام، والبلوغ والعقل، فإذا اختلَّ شرطٌ منها أصبح الإنسان فاقدًا للأهلية، غير صالحٍ للتكليف بالصلاة.
وتمام الأهلية الذي جُعل منه مناط التكليف المعتبر فيها: العقلُ؛ لأن العقل آلة الفهم ووسيلة الإدراك.
ولذلك اتفق الفقهاء على أن مريض العقل لا تلزمه الصلاة في الحال، وجمهورهم على أنه لا يلزمه القضاء؛ لأن أهلية الأداء تفوت بزوال العقل، وبدونها لا يثبت الوجوب، فلا يجب صلاة ما فاته إذا أفاق، واستدلوا على ذلك بأن الشرع رفع عن مريض العقل التكليفَ وأسقط عنه الخطاب.
فعن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» رواه أبو داود والنسائي والدارقطني، وابن خزيمة وابن حبان، والحاكم، وصححه، قال أبو داود: رواه ابنُ جُريجٍ عن القاسم بن يزيد، عن عليٍّ رضي الله عنه، زادَ فيه: «والخَرِفِ»، وفي روايةٍ: «وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ»، وفي رواية: «وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ»، وفي رواية: «وَعَنِ المُصَابِ حَتَّى يُكشَف عَنهُ».
قال الإمام العلاء البخاري الحنفي: [ثم القياس في الجنون أن يكون مُسْقِطًا للعبادات كلها أي مانعًا لوجوبها؛ أصليًّا كان أو عارضًا، قليلًا كان أو كثيرًا، وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله حتى قالا.. إذا أفاق قبل تمام يوم وليلة: لم يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة عندهما؛ وذلك لأن الجنون ينافي القدرة لأنها تحصل بقوة البدن والعقل، والجنون يزيل العقل.. وحاصله: أن أهلية الأداء تفوت بزوال العقل، وبدون الأهلية لا يثبت الوجوب فلا يجب القضاء، والدليل عليه: أن الصبي أحسن حالًا من المجنون؛ فإنه ناقص العقل في بعض أحواله عديم العقل في بعض أحواله.. وإذا كان الصغر يمنع الوجوب حتى لم يلزم الصبي قضاء ما مضى.. فالجنون أولى].
وقال العلامة الحطَّاب المالكي: [فلا تجب على مجنون ولا مغمى عليه، إلا إن أفاق في بقية من الوقت، وإن خرج الوقت قبل إفاقتهما: فلا قضاء عليهما، بخلاف السكران: فعليه القضاء؛ لأنه عاص بإدخاله ذلك على عقله].
وقال العلامة الخطيب الشربيني: [(ولا) قضاء على شخص ذي (جنونٍ أو إغماء) إذا أفاق، ومثلهما المبرسم، والمعتوه، والسكران، بلا تَعَدٍّ في الجميع؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النائم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ»، فورد النص في المجنون، وقيس عليه كل من زال عقله بسبب يعذر فيه، وسواء قل زمن ذلك أو طال].
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي: [والمجنون غير مكلف، ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه، إلا أن يفيق وقت الصلاة، فيصير كالصبي يبلغ، ولا نعلم في ذلك خلافًا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النائم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ»؛ ولأن مدته تطول غالبًا، فوجوب القضاء عليه يشُقُّ، فُعُفِيَ عنه].
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي: [وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء] اهـ، وقال أيضًا: [اتفق العلماء على أن المجنون والصغير الذي ليس بمميز ليس عليه عبادة بدنية؛ كالصلاة والصيام والحج].
والخِصال الواردة في الأحاديث وإن تعددت صُوَرُها إلَّا أنها ترجع إلى ثلاثة أوصاف متقاربة أو متوافقة، لا يتعلق بأصحابها الخطاب التكليفي.
قال الإمام التقي السبكي: [والمعنى واحدٌ، وهم ثلاثة في كل رواية.. ولا يفوت الحصر بذلك إذا نظرنا إلى المعنى؛ فهم في الصورة خمسة؛ الصبي، والنائم، والـمُغمى عليه، والمجنون، والخَرِف، وفي المعنى ثلاثة.. كلها متقاربة أو متوافقة، والمجنون والمعتوه واحد هنا، وإن كان اللغويون أطلقوا أن المعتوه: الناقص العقل، والمراد بنقص العقل: نقصانه عن أهلية الخطاب، وذلك هو الجنون].
ولذلك نصَّ العلماء على أنه يدخل في معنى هذه غيرها؛ كدخول الـمُغمى عليه في معنى النائم، والخرف والعته في الجنون؛ بل قِيس على المجنون كلُّ من زال عقله بسبب يُعذَرُ فيه، سواء قل زمنه أو طال:
قال الإمام النووي الشافعي: [الجنون والإغماء وما في معناهما مما يزيل العقل بغير معصية يمنع وجوب الصلاة، ولا إعادة، سواء كثر زمن الجنون والإغماء ونحوهما أم قلَّ، حتى لو كان لحظة أسقط فرض الصلاة].
وقال العلامة ابن الرفعة: [من زال عقله بجنونٍ أو مرضٍ لا تجب عليه (أي: الصلاة) أيضًا، أما الجنون: فللخبر، وأما من زال عقله بمرضٍ؛ كالـمُغمى عليه، والمبرسم، ونحوهما: فلأنه في معناه؛ فألحق به] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني: [فورد النص في المجنون، وقيس عليه كل من زال عقله بسبب يعذر فيه، وسواء قلَّ زمن ذلك أو طال] اهـ.
مفهوم مرض الزهايمر وبيان مراحله
مرض الزهايمر وصفٌ يجمع تحتَه مراتبَ متفاوتة؛ فهو في الأصل عبارة عن: ضمور في خلايا المخ يؤدي إلى انخفاضٍ في الذاكرة والقدرات العقلية، ينتج عنه انخفاضٌ مستمرٌّ في التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية، وهذا المرض هو أشْيَعُ أسباب الخَرَف؛ حيث يساهم في حدوث 60% إلى 70% من حالات الخَرف؛ إذ الخرفُ يحدث بسبب مجموعة مختلفة من الأمراض والإصابات التي تلحق بالدماغ؛ كالزهايمر، والسكتة الدماغية، والخَرَف الوعائي، والخَرَف الجبهي أو الصدغي، والخَرَف المصحوب بأجسام ليوي، ويتم التمييز بينها عن طريق فحص وظائف الدماغ؛ كاختبارات الوظائف الإدراكية، والآشعة، ونحو ذلك.
ومن الممكن أن يُصاب الإنسان بمزيج منها في آنٍ واحد؛ كما أفادته منظمة الصحة العالمية على موقعها الرسمي، وأفادت أيضًا أن مرض الزهايمر يمر بثلاث مراحل؛ تظهر فيها الأعراض بشكل تدريجي:
المرحلة الأولى: تقل فيها حيوية المريض، وتضعف ذاكرته، فتظهر فيها بعض أعراض النسيان، ويقلُّ عنده إدراك الوقت، وتحدثُ له حالة من التوهان واللامُبالاة لما يحدث حوله.
والمرحلة الوسطى: يكثر فيها نسيان الأحداث والأسماء الحديثة، والتِّيه في الأماكن المألوفة حتى في البيت، وتغيّر السلوك، وتراجع القدرة على الفهم مما يؤدي إلى صعوبة التواصل مع الغير، وطرح الأسئلة المتكرّرة، والتوقف في أواسط الكلام، وعدم إتمام العبارات، وفي هذه المرحلة يحتاج المريض إلى درجة كبيرة من المساعدة والاعتناء به.
والمرحلة المتقدمة: ويتم فيها اعتماد المُصاب بشكل كلي على الغير، ويصاحبه انعدامٌ في النشاط، واضطرابٌ شديد في إدراك الزمان والمكان، وصعوبة بالغة في التعرّف على الأقرباء والأصدقاء، والحاجة المُلِحَّة إلى المساعدة في الاعتناء بالذات، مع صعوبة المشي، وتغيّر السلوك الذي قد يتفاقم ليصبح عدوانيًّا.
وأفادت الُمنَظَّمَة أيضًا أن هذا المرض وإن كان يُصيب المُسنِّينَ بالدرجة الأولى، ويُفقدهم استقلاليتهم، إلَّا أنه لا يُعَدُّ جزءًا طبعيًّا من الشيخوخة وطول العمر.
التكليف بالعبادات البدنية لمريض الزهايمر
بالرغم من أنَّ المراحلَ الثلاثة تشترك في معنى النسيان والتِّيه ونقص الإدراك، إلَّا أنَّ هذه المراحل تتفاوت فيما بينها من حيثُ درجة المرض ومراتب الإدراك والقدرة على التحكم في الذات.
فالمرحلةُ الأولى: قد يستطيع معها المريض إنجاز كثير من مهامه وواجباته ومتطلباته، ومنها العبادات البدنية؛ كالصلاة والصيام ونحوهما، فإذا استطاع المريض القيام بأداء العبادة: وجب عليه أداؤها؛ بناءً على القاعدة الشرعية: “الميسور لا يسقط بالمعسور”، وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، وقد يستخدم المصاب بجانب العلاج والأدوية بعض الوسائل الـمُعينة له على التذكر وإتمام العبادات.
أما المرحلتان الثانية والثالثة: فيغلب فيها المرض على عقلِ الـمُصاب؛ فيضطرب إدراكُهُ ويختلُّ فِعْلُهُ، وهي بذلك تُعَدُّ درجة من درجات زوال العقل؛ كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: [أقل زوال العقل: أن يكون مختلطًا؛ فيعزب عنه الشيء وإن قلَّ، ثم يثوب إليه عقله].
فيدخل المريض في الحالتين في معنى الأوصاف الواردة في الأحاديث، والمقتضية رفع التكليف عن صاحبها، وقد نص العلماء على أن كل حالة تنافي العلم بتوجيه الخِطاب تنافي تحقيق التكليف؛ لأن من شرط تعلق الخطاب إمكانَ فهمه:
قال إمام الحرمين الجويني: [ما صار إليه المحققون: خروج النائم، والمجنون، والمغلوب على عقله، والسكران الخارج عن حد التمييز عن قضية التكليف، والجملة في ذلك: أن كل حالة تنافي العلم بتوجيه الأمر تنافي تحقيق التكليف]
                


