من غزة للسودان.. كيف تسعى القاهرة لاستعادة دورها الإقليمي في المنطقة؟
في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سلسلةً من الصراعات المتشعّبة، تتصدّر مصر مسارات الوساطة بفاعلية متزايدة، حاملةً رداء الدبلوماسي والميسّـر بين أطراف النزاعات في قطاع غزة، جمهورية السودان، وليبيا، في محاولة منها لإعادة الاستقرار للمنطقة وحفظ مصالحها الاستراتيجية.
دور محوري في غزة
• أكّدت وزارة الخارجية المصرية أن جهود القاهرة للوساطة في قطاع غزة “مستمرة وبالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة”.
• مصر تولّت تنسيق دخول المساعدات الإنسانية، وأشارت إلى أنّ نحو 80% من تلك المساعدات إلى غزة “مرت عبر مصر”.
• يطرح الإعلام الدولي مصرَ كقائد محتمل لقوة “استقرار دولية” في غزة، في ظل استعداد لها لتولي هذا الدور.
الوساطة في السودان
• تدخلت مصر لبدء وساطة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا قوات الدعم السريع، بحكم العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة على الحدود الجنوبية.
• خلال اجتماع في القاهرة، جددت مصر والسودان التأكيد على أهمية “الرباعية” (مصر، الإمارات، السعودية، الولايات المتحدة) كإطار لحل الأزمة السودانية.
• حافظت القاهرة على مبدأ عدم الانحياز المباشر، لكنها في ذات الوقت تضغط من أجل وقف فوري للقتال وإعلان تسوية سلمية.
جهود تجاه ليبيا
• استضافت مصر لقاءات بين الأطراف الليبية المتنازعة في القاهرة، في إطار تعزيز الحوار وانتخابات ودمج المؤسسات، كمحاولة لردم الهوة بين الشرق والغرب الليبي.
• التوازن المصري بين الدعم للدولة الليبية (المدعومة من القاهرة) والرفض لأي تهديد للأمن المصري عبر الحدود الغربية، يعكس البعد الاستراتيجي للوساطة.
الأبعاد الاستراتيجية للمبادرة المصرية
الأمن القومي: استقرار الجوار (غزة، السودان، ليبيا) يعزز الأمن المصري مباشرة ويقلّل من تدفّق الأزمات عبر الحدود.
القيمة الدبلوماسية: مصر تحوّل من دولة متلقّاة لمبادرات إلى “فاعل وساطة” إقليمي، ما يكسبها موقعاً مرجعياً في النظام العربي-الأفريقي.
الاقتصاد والتنمية: استعادة الاستقرار تفتح المجال لاستثمارات وبنى تحتية، خصوصاً في محور شرق المتوسط وشمال إفريقيا.
الشرعية الإقليمية: مصر تستعيد دورها التاريخي كجسر بين أفريقيا والشرق الأوسط، تحت شعار التنمية والسلام.
إدارة ملفات الوساطة الإقليمية
أعرب عمرو حسين، الكاتب والمحلل السياسي، عن تقديره للدور المتصاعد الذي تقوم به مصر في إدارة ملفات الوساطة الإقليمية، سواء في غزة أو السودان أو ليبيا، مؤكداً أن هذا الدور يعكس ثقة الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي في قدرة القاهرة على تحقيق التوازن والتهدئة في منطقة تموج بالأزمات والتوترات المتلاحقة.
وأضاف حسين، في تصريحات خاصة لـ “نيوز رووم”، أن التحركات المصرية تأتي امتداداً لتاريخ طويل من المسؤولية تجاه قضايا المنطقة، فمصر لم تغب يوماً عن ساحة الأحداث، بل كانت حاضرة في كل مفصل تاريخي يسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار، وففي الملف الفلسطيني، تتحمل القاهرة العبء الأكبر في احتواء الأزمة الإنسانية والسياسية في قطاع غزة، وتعمل دون كلل على تثبيت الهدنة وفتح مسارات إنسانية تحفظ حياة المدنيين وتمنع تصعيد الصراع.
مصر تتحرك بحكمة للحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه
وفي الملف السوداني، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، أن مصر تتحرك بحكمة للحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، مستندة إلى علاقات أخوية عميقة وتفاهمات متوازنة مع مختلف القوى، وتدرك أن أمن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، كما تعمل القاهرة على توحيد الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب ومنع انزلاق السودان نحو الفوضى أو التقسيم.
مصر تلعب دوراً محورياً في جمع الفرقاء الليبيين
أما في الملف الليبي، فأشار حسين إلى أن مصر تلعب دوراً محورياً في جمع الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار، ودعم مؤسسات الدولة الوطنية، ورفض التدخلات الأجنبية التي تهدد وحدة ليبيا واستقرارها. فهي تتحرك وفق رؤية تقوم على دعم الحلول الليبية – الليبية، بعيداً عن أي إملاءات خارجية.
واختتم حسين تصريحه بالتأكيد على أن نجاح الوساطات المصرية يعكس عودة مصر إلى موقعها الطبيعي كقلب العالم العربي وصمام أمان للمنطقة، مضيفاً أن القاهرة تمتلك من أدوات التأثير السياسي، والدبلوماسية الهادئة، والرصيد التاريخي، ما يجعلها قادرة على قيادة جهود السلام وتحقيق التوازن وسط عالم تتنازعه الأزمات والمصالح المتشابكة.
مصر تستخدم خبرتها التاريخية في إدارة النزاعات
وتتزايد الوساطة الإقليمية المصرية بفضل موقعها الجغرافي، خبرتها التاريخية في إدارة النزاعات، وتعزيز علاقاتها الدولية، مما يضعها في قلب الأزمات الإقليمية مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والأوضاع في ليبيا والسودان. تسعى مصر لدمج قضايا الأمن القومي مع الأمن الإقليمي عبر الحوار والحلول السياسية، مع التركيز على "صناعة السلام" بدلاً من المواجهة، وهو ما يعزز من دورها كركيزة للاستقرار في المنطقة.