المتحف المصري الكبير يُعد أحد أعظم المشاريع الثقافية والحضارية التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث، بل يمثل نقلة نوعية غير مسبوقة في مفهوم المتاحف على مستوى العالم. فهو ليس مجرد مبنى يحتضن كنوز الفراعنة، بل مركز عالمي متكامل يعيد رواية قصة مصر بوسائل حديثة تدمج بين سحر التاريخ وأدوات التكنولوجيا المعاصرة.
واختيار موقع المتحف بجوار أهرامات الجيزة لم يكن قرارًا عشوائيًا، بل رؤية استراتيجية دقيقة، تهدف إلى خلق حالة فريدة من التكامل بين الماضي والحاضر، حيث يطل المتحف على واحدة من أعظم عجائب الدنيا، فيرسم للزائر تجربة بانورامية تحاكي رحلة الإنسان المصري منذ فجر الحضارة وحتى اليوم.
المتحف لا يمثل فقط مركزًا للعرض، بل هو منارة ثقافية وسياحية تسهم في ترسيخ مكانة مصر على الخريطة العالمية، إذ أصبح نقطة جذب رئيسية للسائحين من شتى أنحاء العالم. وقد أدى افتتاحه إلى تنشيط الحركة السياحية، وزيادة معدلات الإقبال الأجنبي، ما انعكس إيجابًا على الاقتصاد القومي من خلال دعم قطاعات الإقامة، والنقل، والخدمات الترفيهية، والمشروعات الصغيرة المرتبطة بالسياحة.أن المشروع وفر آلاف فرص العمل للشباب المصري في مجالات متعددة، بدءًا من مراحل الإنشاء والتشييد مرورًا بإدارة المرافق والأمن والنظافة والإرشاد السياحي، وصولًا إلى مجالات التقنية الحديثة في العرض والتصميم والإضاءة. وهو ما يعكس حرص الدولة على تمكين الكفاءات الوطنية وإتاحة الفرص أمام جيل جديد من المتخصصين لاكتساب خبرات عالمية في إدارة المتاحف الحديثة.
من الناحية الثقافية والعلمية،المتحف المصري الكبير يُجسد رؤية مصر في تقديم تراثها بأسلوب يليق بعظمة حضارتها، من خلال استخدام أحدث وسائل العرض المتحفي والتقنيات الرقمية التفاعلية التي تتيح للزائر معايشة الماضي بطريقة حية ومبهرة. كما يُعد المتحف مركزًا علميًا وبحثيًا متكاملًا، يتيح للطلاب والباحثين فرصة الاطلاع على آلاف القطع الأثرية، وإجراء الدراسات والأبحاث المتخصصة، بما يعزز الوعي التاريخي والهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة.
والمتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى فخم يضم آثارًا ثمينة، بل هو رسالة حضارية متجددة تعبر عن عبقرية المصري القديم وروح المصري الحديث. إنه جسر يربط الماضي بالحاضر، والتاريخ بالمستقبل، ويؤكد أن مصر لا تزال قادرة على إبهار العالم بإبداعها وإرثها وثقافتها. فالمتحف هو بحق رمز النهضة الثقافية المصرية الحديثة، ونقطة التقاء بين التاريخ والعلم والسياحة، تعيد لمصر مكانتها كعاصمة للحضارة والإنسانية عبر العصور.