سائل يقول: هل يجوز الدعاء قول " الله يلعنه " لشخص مسلم أو كافر؟
أكدت دار الإفتاء أن لعن الشخص سواء أكان مسلمًا عاصيًا أو غير عاصٍ أم كان كافرًا حرامٌ شرعًا، إلا مَن لعنه الشرع بخصوصه أو دلَّت النصوص الشرعية على أنه مات على الكفر أو يموت عليه؛ كأبي جهل وإبليس، وعلة التحريم أنه غير هؤلاء لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية. أما إذا كان اللعن لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما يتعلق بنوعٍ ما قد لعنه الشرع من غير تعيين؛ كقول: ﴿لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؛ فهو جائز.
مفهوم اللعن
مادة: اللام والعين والنون أصل صحيح يدل على إبعاد وطرد، وإذا كان اللعن من الله تعالى فهو الإبعاد والطرد من الخير، وإذا كان من البشر فهو سبٌّ ودعاء.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: [اللعن: وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى].
ما ورد في السنة النبوية من الترهيب من اللعن
جاء في السنة الترهيب من اللعن بوجه عام، وبيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن اللعن من الخصال المذمومة التي لا تعتبر من خصال المؤمن الحق؛ فروى أبو داود في السنن عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا، وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا».
وروى عنه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ».
وروى أبو داود والترمذي في سننهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ».
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التلاعن؛ فروى أبو داود في سننه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ، وَلَا بِغَضَبِ اللهِ، وَلَا بِالنَّارِ».
وروى أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ».
بيان حكم لعن إنسان معين
أما حكم اللعن: فمحل تفصيل؛ وذلك كما يلي:
أولًا: إذا كان اللعن لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما كان متعلقًا بنوعٍ ما قد لعنه الشرع؛ كالكافر أو الفاسق أو الظالم: فهذا جائز؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قيل له: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قال: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً».
ثانيًا: إذا كان اللعن يتعلق بمُعَيَّن قد لعنه الشرع بخصوصه؛ كإبليس أو كأبي لهب: فإنه يجوز لعنه حينئذٍ.
ثالثًا: إذا كان المُعَيَّن هذا مسلمًا لم يتعلق به لعن من الشرع: فيحرم لعنه؛ لما رواه البخاري في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جَلَده في الشَّراب، فأُتِيَ به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».
ولما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ».
رابعًا: إذا كان المُعَيَّن من أصحاب الكفر أو المعاصي: فلا يجوز لعنه أيضًا؛ لما رواه الترمذي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم أُحد: «اللَّهُمَّ العَنْ أَبَا سُفْيَانَ، اللَّهُمَّ العَنِ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ العَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ»، فنزلت: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾، فتاب الله عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم.
ولأن اللعن إبعادٌ عن رحمة الله، وهذا لا يجوز في حق مجهول العاقبة.