ما حكم ترجمة معاني القرآن الكريم بلغة الإشارة؟.. دار الإفتاء توضح
يجوز شرعًا ترجمة معاني القرآن الكريم بِلُغَةِ الإشارة؛ لما في ذلك من إيصال الدعوة وتبليغها إلى الغير بما يفهمه، بل ذلك مأمورٌ به شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه البخاري، على أن يُراعى في الترجمة أن تكون موافقةً للسان العربي الذي وقع فيه الإعجاز اللفظي للقرآن، وأن توافق ما عليه تفاسير العلماء المجتهدين في فهم معاني الآيات، وأن يكون التمثيل الإشاري بيانًا لمعاني الألفاظ لا بديلًا عنها.
تبليغ معاني القرآن الكريم بكل اللغات
القرآن الكريم هو المصدر الأول لمعرفة الأحكام الشرعية، وقد تُرجِمَت معانيه إلى كثير من اللغات، وهذا نوع من تبليغ معاني القرآن إلى جميع الناس في كل أنحاء العالم؛ امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه البخاري.
ولما كان الصم والمعاقون سمعيًّا من أصحاب الأعذار الذين لا حول لهم ولا قوة، لا يستطيعون فهم القرآن الكريم ولا تصور معانيه إلا عبر لغتهم المعروفة، كان من الواجب شرعًا العمل على تبليغهم القرآن الكريم بأية وسيلة أو لغة يفهمونها.
حكم ترجمة معاني القرآن الكريم بلغة الإشارة
لغة الإشارة لتوضيح ألفاظ القرآن الكريم لا تعدو في الحقيقة أن تكون نقلًا لمعانيه وتبليغًا إلى من لا يقرؤه على الورق، فالوجود الإشاري هو نوع من أنواع الوجودات الأربعة التي هي: الوجود العيني، والذهني، واللفظي، والرسمي، وهذه الإشارات وجود في الأعيان؛ فلغة الإشارة هي محاكاة للمعاني القرآنية وبيان لأحكامه، وليست هي بديلًا عن اللفظ القرآني المعجز، ودلالة هذه الإشارات على مدلولاته ومعانيه كدلالة التفسير نفسه على تلك المعاني، وهذه اللغة الإشارية من الوسائل التي تقرّب الفهم، والوسائل لها أحكام المقاصد، بل هي في حقيقتها تأسي واتباع للمنهج القرآني في بسط المعاني وتقريبها إلى الأفهام؛ لأن الله تعالى إنما ساق تلك الألفاظ بغرض تفهيم المتلقي، والمسلمون مأمورون بمواكبة وسائل عصرهم في تبليغ دينهم وإيصاله إلى العالمين.
ولما كانت لغة الإشارة هي اللغة التي تمكن إخواننا الصم ذوي الأعذار الخاصة من فهم أمور دينهم وممارسة شعائره من صلاة وصيام وزكاة وحج، وذلك لا ينفك عن فهم معاني القرآن الكريم الذي هو المصدر الأول للتشريع؛ فإنه لا مانع شرعًا من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الإشارة التي يتعاملون بها.
ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الإشارة
لا بد في هذا المقام أن ينضبط العمل الذي يرمي إلى محاكاة معاني القرآن الكريم بترجمتها إلى لغة الإشارة بعدة ضوابط حتى يخرج بصورة شرعية، منها على سبيل المثال:
• ضرورة فهم اللغة العربية كما عهدت في العصر الأول ودلالات المعاني القرآنية كما أرادها الله عز وجل وتحقيقها على الوجه الصادر منه تبارك وتعالى، فإن بعض المعاني قد تتغير دلالاتها بمرور الأزمان فتتغير عما كانت عليه.
• وينبغي أن يكون ثبوت المعنى وصحته مأخوذًا من تفسير مقبول جارٍ على قواعد المجتهدين في القبول والرد.
• كما يجب عند تحقيق معاني الألفاظ القرآنية القيام بجمع طرق تفسيرها من كتب التفسير المعتمدة واجتهاد المجتهدين المعتمدين للوصول إلى المعنى الذي يغلب على الظن أنه هو المراد من الله سبحانه وتعالى، وهذا يُرجع فيه إلى المتخصصين وخاصة المعتنين بالتفسير والحديث والفقه وأصوله.
• وأن يكون التمثيل الإشاري لمعاني الألفاظ القرآنية واضحًا في أنه محاكاة للمعنى وليس بديلًا لشيء من اللفظ القرآني كما سبقت الإشارة إليه.
ودار الإفتاء المصرية لا يسعها إلا الإشادة بهذا العمل الذي تتعطش إليه المكتبة الإنسانية وذوو الاحتياجات الخاصة من إخواننا وأخواتنا من الصم والبكم، وترى أنه جائز شرعًا، بل هو من أجلّ الأعمال وأحبها إلى الله ورسوله.
يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: 39].
ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه البخاري، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ» رواه البخاري.



